غياب الشفافية في صفقات تجهيز مستشفى ابن سينا” أزمة تهدد مستقبل الصحة العمومية بالمغرب”

في خضم التحديات التي تواجه القطاع الصحي بالمغرب، يبرز مشروع تجهيز المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط كواحد من أكبر المشاريع الصحية في تاريخ المملكة، باستثمار ضخم يتجاوز 6 مليار درهم. ورغم أهمية هذا المشروع الذي يهدف إلى تحسين الخدمات الصحية وتطوير البنية التحتية الطبية، إلا أن العديد من التقارير والشهادات أثارت تساؤلات جدية حول غياب الشفافية واعتماد مقاربة تشاركية في تدبير الصفقات المتعلقة بتجهيز وتشغيل هذا الصرح الصحي الكبير.
النائب البرلماني مصطفى ابراهيمي، عن مجموعة العدالة والتنمية، سلط الضوء على هذا الموضوع من خلال سؤال كتابي وجهه إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، حيث استعرض ما وصفه بـ”غياب المقاربة التشاركية وشفافية الصفقات”. وأشار النائب إلى أن تجهيز المركبات الأربعة التي يتألف منها المستشفى، وهي:
1. المركب الكبير للمصالح الاستشفائية
2. مركب أمراض القلب والشرايين،
3. مركب مصالح الدعم (مختبرات، أشعة، فحوصات خارجية)
4. المركب الجراحي والإنعاش،
تعرض لتجاوزات عديدة. وأكد أن صفقات التجهيز والخدمات المتعلقة بالتعقيم، النظافة، والتشجير أصبحت “تفاوضية”، تقتصر على شركات محدودة، ما يثير شبهات حول الزبونية والاحتكار.
وأوضح البرلماني أن هذه الصفقات، التي من المفترض أن تخضع لإجراءات شفافة ومنافسة عادلة، شابتها تغييرات في دفاتر التحملات لتناسب شركات بعينها، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف بشكل غير مبرر. هذا الوضع ترك الأطر الطبية والإدارية في حالة من الامتعاض والإحباط، كما أضر بالشركات التي لطالما كانت شريكاً أساسياً في قطاع الصحة.
الانتقادات التي وجهها العاملون بالمستشفى والشركات المتخصصة لم تقتصر على الصفقات وحدها، بل شملت أيضاً غياب إشراك الأطر الطبية والتقنية والإدارية في عملية اتخاذ القرارات. هذا الإقصاء يعكس، بحسب الكثيرين، غياب رؤية واضحة لإدارة هذا المشروع الوطني الكبير، ويضع علامات استفهام حول مدى الالتزام بمعايير الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد.
وتساءل البرلماني مصطفى ابراهيمي عن صحة هذه الصفقات في ظل غياب إشراك الأطباء والأساتذة والأطر الصحية، داعياً إلى فتح تحقيق عاجل وشامل للكشف عن التجاوزات المحتملة، واتخاذ الإجراءات الضرورية لاستدراك الوضع. كما شدد على ضرورة تطبيق القانون ومكافحة الفساد لضمان إنجاز المشروع وفقاً لمعايير النزاهة والشفافية.
إن استمرار مثل هذه الممارسات يهدد بتفاقم أزمة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، خاصة في قطاع حساس كالصحة. فحين يصبح الفساد وهدر المال العام جزءاً من مشاريع حيوية تمس حياة المواطنين، فإن ذلك يعكس خللاً عميقاً يستدعي التدخل الفوري.
مشروع مستشفى ابن سينا ليس مجرد بناء ضخم، بل هو أملٌ لآلاف المرضى الذين ينتظرون خدمات صحية تليق بكرامتهم. لذلك، فإن أي تجاوزات في تدبير هذا المشروع لا تمثل فقط هدراً للمال العام، بل هي أيضاً اعتداء على حق المواطنين في الحصول على رعاية صحية جيدة.
ما المطلوب الآن؟
– التحقيق في الصفقات المشبوهة: فتح تحقيق شفاف ومستقل لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المتورطين.
– تعزيز الشفافية: وضع آليات رقابية صارمة لضمان نزاهة الصفقات العمومية.
-إشراك الأطر الصحية: تفعيل دور الأطباء والمختصين في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير المستشفى.
– محاربة الفساد: تطبيق القانون بصرامة على كل من يثبت تورطه في تجاوزات.
المواطن المغربي يستحق نظاماً صحياً شفافاً ونزيهاً، ومشروع مستشفى ابن سينا يجب أن يكون نموذجاً يحتذى به، لا مثالاً على الفساد وسوء التدبير.