افتتاحية مجلة 24: الملك والنخب السياسية والشعب الكادح
أفرزت لنا العديد من التجارب والمواقف السياسية، التي يعيشها المغرب منذ اعتلاء عاهل البلاد محمد السادس تدبير المؤسسة الملكية، أن المغرب دخل مرحلة جديدة، من تاريخه في العديد من الإشارات والرسائل القوية، للانتقال بالمؤسسات الوطنية للاستفادة من تراكماتها التاريخية، وما كلفته عمليات بنائها من صراعات وتضحيات ومواجهات، لتنضج صيغ التوافقات بين كل الأطراف، أن الخصم المشترك هو مواجهة العوامل الضاغطة، في تطوير هياكل الاقتصاد الوطني وتمكين بنياته الإنتاجية من خلق الرخاء، الذي يستفيد منه الجميع بهذا القدر أو ذاك لتقليص حجم الفوارق التي تراكم الثروة في يد الأقلية وتترك السواد الأعظم من المواطنين في حالة العوز والحاجة.
كان لا بد من وضع حد للريع الذي تقتات منه النخب. لكن أظهرت الأحداث، أن نخبنا السياسية، ظلت تتعاطى مع السياسية من أبواب الانتفاع لتنظيماتها وقيادييها، سواء تلك التي تدبر الشأن العمومي أو تلك التي يبدو أنها تمارس معارضة رخوة.
الأحزاب السياسية، نقرأ في واقعها أنها لم تعزز خيارات التحالف المبني على مشروع اجتماعي للمغرب الذي نريده، وللعيش الذي ترفع حوله الشعارات في الكرامة والحرية والعدالة والانصاف والمساواة. لكن في العمق الأشخاص الذين أتوا للمناصب، تغيرت أحوالهم وتعززت مواقعهم في الاستثمار في المجال الاقتصادي وباتت السياسة مرادفا هي الأخرى لنوع من الاستثمار الذي يذر الأرباح ويصنع النخب الطبقية التي تدافع بشراسة عن مواقعها الاجتماعية الجديدة، أو تدافع بقوة عن المنافع المادية.
لم نشهد وقوفا حازما من نخبنا، ضد منافعها أو العطايا التي تغدق عليها والتواطؤ والصمت على عدم خضوعها للمحاسبة، أو التزامها بالقوانين والتشريع الوطني كما يحدث في تأدية واجبات صندوق الضمان الاجتماعي لفائدة الأجراء.
حينما تقتضي مصالح الكادحين في هذه البلاد، الانزياح لمطالبها يتم الصد عنها والمزايدات عليها في السروالعلن، لكن تقدم لها خطابات من الوهم والسراب.
في هذا الوضع يسجل انزياح المؤسسة الملكية لفائدة الشعب، كما جاء في مشروع الحماية الاجتماعية، وقبل هذا كانت الجرأة في التوجه للنخب السياسية وانتقاد عجزها وغياب إرادتها وقدرتها على إنتاج الأفكار وإبداع المشاريع المجتمعية، التي تمهد الطريق نحو المغرب القوي المتضامن والذي يتجاوب مع حاجيات أوسع فئاته في العيش الكريم.
النخب السياسية، لم تقدم في واجهاتها المثقفين والشباب المتنور للمشاركة في صناعة القرارات، بل حافظت على دينصورات وصقور يصارعون بقوة دفاعا عن مصالح أنانية ضيقة وهو توجه ما لم يتم إحداث القطيعة معه ستظل نخبنا السياسية، تعادي في توجهاتها المصالح المستقبلة للأمة.