«البافانا بافانا».. كابوس يتجدد

«البافانا بافانا».. كابوس يتجدد
مجلة 24 - إلياس الحرفوي

لا يمكننا استعراض مسيرة المنتخبات الوطنية خلال العقود الماضية دون التوقف عند ظاهرة متكررة ومقلقة تلازم مواجهاتنا مع منتخب جنوب إفريقيا، المعروف بـ”البافانا بافانا”. هذه الظاهرة، التي يمكن تسميتها بـ”العقدة الجنوب إفريقية”، لا تقتصر على فئة عمرية معينة أو على الرجال أو السيدات فقط، بل تمتد لتشمل جميع الفئات السنية. في كل مواجهة مع منتخب جنوب إفريقيا، نجد أنفسنا أمام نمط متكرر من الأداء غير المقنع والانهيار في اللحظات الحاسمة.

أحدث مثال على هذه “العقدة” كان في نهائي كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة في مصر عام 2025، حيث خسر المنتخب المغربي الشاب بهدف دون رد أمام جنوب إفريقيا. لم تكن هذه المواجهة مجرد خسارة مباراة، بل محطة حاسمة لجيل شاب أظهر موهبة واعدة خلال مراحل البطولة، لكنه عجز عن تجاوز حاجز النضج الذهني، واكتفى بتألق جزئي لم يترجم إلى لقب حين حلت لحظة الحسم.

الهزيمة الأخيرة للمنتخب الأول أمام جنوب إفريقيا في دور ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا 2023 بكوت ديفوار (2-0) لم تكن مجرد تعثر عابر، بل شكّلت صفعة قوية لكل من ظن أن إنجاز كأس العالم بقطر وبلوغ نصف النهائي قد طوى صفحة “الاختبارات الإفريقية”. أمام منتخب منظم، لا يزخر بالأسماء الكبيرة لكنه يتمتع بانضباط تكتيكي وصلابة ذهنية، ظهر أسود الأطلس بوجه باهت، افتقروا إلى الحلول، غابت عنهم ردة الفعل، وبدت شخصيتهم الجماعية هشة وغير قادرة على الصمود في اللحظات الصعبة، رغم أنهم يُصنَّفون ضمن أقوى منتخبات القارة من حيث الجودة البشرية والاحترافية.

ولم تقتصر هذه المعاناة على المنتخب الأول فقط، فقد شهدنا في نهائي كأس إفريقيا للسيدات 2022، أمام جماهير غفيرة في مجمع الأمير مولاي عبد الله بالرباط، سقوط منتخب السيدات أمام جنوب إفريقيا بهدفين مقابل هدف. تلك الخسارة لم تكن مجرد إخفاق تكتيكي، بل كانت انعكاسا لضعف ذهني ونفسي، حيث برزت تجربة الخصم الجنوب إفريقي كخصم مدرك جيدا متى يهاجم ومتى يحد من زخم الحماس الجماهيري. بالمقابل، ظهر المنتخب المغربي كقوة واعدة لكنها تفتقر إلى التحصين النفسي اللازم.

من هنا يبرز التساؤل الأساسي: هل نحن بصدد عقدة نفسية حقيقية تعيق تقدمنا؟ أم أن منتخبات جنوب إفريقيا تتفوق علينا ببنية تكوينية شاملة تجمع بين الإعداد النفسي والفني والتكتيكي؟ الواقع يؤكد أن “البافانا بافانا” تتمتع بصلابة ذهنية وقدرة عالية على التحكم في أعصابها خلال المواقف الحرجة، إلى جانب نضج تكتيكي يسمح لها بفرض إيقاع المباراة. في المقابل، كثيرا ما يفتقر اللاعب المغربي إلى هذا العنصر الحيوي، مما يجعل المواجهات الحاسمة تبدو محبطة ومخيبة للآمال.

من الضروري أن نعيد النظر بعمق في آليات إعداد لاعبينا، ليس فقط من حيث اللياقة البدنية أو المهارات التقنية، بل وعلى مستوى البناء النفسي والعقلي. كرة القدم اليوم لم تعد مجرد مهارات فردية أو تكتيكات، بل هي فن القدرة على التعامل مع الضغوط، والثبات في اللحظات المفصلية، وتكوين شخصية رياضية تتحلى بالثبات والصلابة. إن تجاهل هذا الجانب يجعلنا نكرر نفس الأخطاء ونبقى أسرى حلقة مفرغة من الإخفاقات أمام نفس الخصم، وهو ما ينعكس سلبا على صورة كرة القدم المغربية ويعوق مسار تطورها.

في الختام، يكمن الحل في الاعتراف بهذه العقدة النفسية والعمل على مواجهتها بجدية ومسؤولية. لقد حان الوقت لتفتح الأجهزة التقنية والإدارية أبوابها أمام الخبرات العلمية والنفسية الحديثة، لتستثمر في تطوير لاعب متكامل ذهنيا ونفسيا، قادر على قلب المعادلات وتحطيم حاجز الخوف والضغط النفسي أمام الفرق القوية. فكل منتخب طموح يهدف إلى المجد العالمي، ينبغي أن يبدأ معركته من الداخل، خاصة على مستوى الذهني، وإلا فإن التاريخ سيظل يعيد نفسه، وستظل مواجهات جنوب إفريقيا كابوسا يطارد أحلامنا وطموحاتنا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *