ما الذي يحدث داخل الرجاء؟

ما الذي يحدث داخل الرجاء؟
مجلة 24 - إلياس الحرفوي

حين يذكر اسم الرجاء البيضاوي، يسطع في سماء كرة القدم المغربية والإفريقية كأحد أعرق وأعظم الأندية في الوطن العربي وافريقيا، حيث نجح في بناء تاريخ كروي جعل من جماهيره الحماسية مصدر فخر واعتزاز. لكن، في السنوات الأخيرة، بات النادي الأخضر يعيش واحدة من أسوأ فتراته على الإطلاق. النتائج المتواضعة، الأداء الباهت، التخبط الإداري، والضغوط الجماهيرية المتزايدة، جميعها عوامل دفعت الكثيرين للتساؤل عن السبب الحقيقي وراء ما يمر به الفريق اليوم. “ما الذي يحدث داخل الرجاء؟” أصبح هذا السؤال هو الشغل الشاغل للمحللين والجماهير على حد سواء.

في الأعوام الأخيرة، أصبح الرجاء وكأنه قارب عالق في دوامة، يتحرك بلا وجهة وسط أمواج الأزمات المتلاحقة. إدارات متعاقبة لا تستقر طويلا، وأعضاء مجلس إدارة منقسمون بين المصالح الشخصية والخلافات الداخلية. غابت الرؤية الواضحة، وأصبح النادي يدار بردود أفعال للأزمات بدلا من تخطيط استراتيجي طويل الأمد. هذه العشوائية أدت إلى تفاقم الأزمات المالية، تراجع مستوى اللاعبين، ورحيل المدربين قبل استكمال مواسمهم، ما أثر بشكل مباشر على استقرار الفريق وأدائه.

جماهير الرجاء، التي كانت دائما درع الفريق وسنده، أصبحت اليوم ذات تأثير مزدوج. فهي قوة ضاغطة قادرة على تغيير مسار النادي، لكنها أحيانا تسهم في انقسامات داخل صفوف المشجعين. عبر منصات التواصل الاجتماعي، تتصاعد النقاشات والخلافات حول أسباب تراجع الفريق، بين من يلوم الإدارة، ومن يحمل المسؤولية للمدرب أو اللاعبين. هذا التباين في وجهات النظر يزيد من تعقيد الأمور ويضاعف الضغط على من يتخذون القرارات داخل النادي.

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مسرح للنقاشات الساخنة حول الرجاء، حيث تظهر يوميا عشرات الصفحات التي تدعي تمثيل الجماهير. هذه المنصات باتت تؤثر بشكل كبير على قرارات الإدارة والمدربين. أحيانا، يطالب بإقالة مدرب أو استبعاد لاعب بناء على ضغط إلكتروني. لكن الغريب أن هذه الأصوات المتعددة كثيرا ما تكون غير متجانسة، ما يخلق حالة من الفوضى بدلا من التوجيه الفعال.

يجمع الكثيرون على أن الموسم الحالي هو الأسوأ في تاريخ الرجاء الرياضي. النتائج المخيبة ، وأداء اللاعبين كان ضعيفا وغير مقنع. الانتدابات الأخيرة لم تكن على مستوى تطلعات الفريق، بل إنها لا تتناسب مع هوية الرجاء ولا مع مكانته كأحد أكبر الأندية في المغرب والعالم العربي وأفريقيا. فالتعاقدات لم تلب حاجة الفريق لتدعيم صفوفه بلاعبين ذوي جودة عالية قادرين على المنافسة، مما زاد من حدة الانتقادات الموجهة للإدارة بسبب سوء اختياراتها.

إلى جانب ذلك، يعاني الرجاء من أزمة مالية خانقة تعرقل قدرته على جذب لاعبين مميزين أو الحفاظ على النجوم الحاليين. الديون المتراكمة ومستحقات اللاعبين والمدربين غير المدفوعة تجعل الإدارة عاجزة عن التحرك بقوة في سوق الانتقالات، مما يزيد الوضع تعقيدا. وعلى الصعيد القاري، يواجه الفريق تحديا كبيرا في دوري أبطال إفريقيا، حيث يحتل المركز الأخير في مجموعته بعد ثلاث مباريات، مكتفيا بنقطة واحدة، ما يضعه في موقف صعب ويزيد من الضغوط على الجهاز الفني.

الجماهير، الإعلام، وحتى المتابعون المحايدون، يتساءلون عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التخبط. كيف تحول الرجاء، الذي كان رمزا للنجاح والتألق، إلى كيان يعاني من الفوضى؟ هل المشكلة في سوء التسيير، أم أن الأزمات أكبر من أن تحل بسهولة؟ تساؤلات تتزايد مع كل نتيجة سلبية وكل قرار يبدو غير مدروس.

مع ذلك، لا تزال الفرصة قائمة للنهوض إذا توفرت الإرادة الحقيقية من جميع الأطراف. الحل يبدأ بتثبيت استقرار إداري يعيد بناء النادي على أسس سليمة، مع وضع خطة مالية تنقذ الفريق من أزماته المتراكمة. على المستوى الفني، ينبغي الرهان على مدرب ذي رؤية واضحة، قادر على قيادة الفريق بشكل منظم، مع تعزيز الصفوف بلاعبين يناسبون هوية الرجاء ويعيدون إليه بريقه.

 الرجاء البيضاوي ليس مجرد ناد رياضي، بل هو إرث كروي وشغف جماهيري لا ينضب. اليوم، يحتاج الفريق إلى تضافر الجهود بين إدارة حكيمة، جماهير واعية، واستقرار فني يعيد النادي إلى سكة الانتصارات. من يتحكم في الرجاء اليوم، عليه أن يكون مؤهلا لقيادته نحو استعادة مجده ورفع رايته عاليا في سماء كرة القدم المغربية والإفريقية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *