لماذا لم ترد إسرائيل على إيران؟ وما موقع “السلاح النووي الإيراني” في سياق هذه التفاعلات الايرانية الإسرائلية؟!
سؤالين في غاية الأهمية، يفرض التفاعل معهما، بالضرورة، الانطلاق من الفرضيتين التاليتين:
الأولى امتلاك إيران للسلاح النووي، والثانية عدم امتلاك إيران للسلاح النووي.
إذا كانت الفرضية الأولى محققة، أي أن إيران تمكنت من تخصيب اليورانيوم وتتوفر على السلاح النووي، فبغض النظر عن عدد وكمية الرؤوس النووية التي تتوفر عليها، ففي هذه الحالة إسرائيل لن تتجرأ على قصف المنشآت النووية الإيرانية، وستتردَّد كثيرا في القيام بأي عمل عسكري عنيف ضد إيران، لأن استهداف المواقع الاستراتيجية وخاصة تلك المعدة “لانتاج” الأسلحة النووية يعدُّ أمرا خطرا، نظرا لما سينتج عن عملية القصف من تداعيات لن تتأثر بها فقط إيران، بل ستمتد مخاطرها إلى نطاق واسع في القارة الأسيوية.. .
لكن الأمر الجدير بالاهتمام هو ذاك المتمثل في إمكانية استخدام إيران للسلاح النووي(طبعا في إطار فرضية امتلاكه) في سياق الرد المحتمل على قصف منشآتها الحيوية والاستراتيجية.
هل هذا الاحتمال ممكن الوقوع؟
تقليديا أهم دور للسلاح النووي، في العلاقات الدولية، هو الردع وخلق نوع من التوزان بين القوى الدولية، لذلك فاستخدام السلاح النووي بين قوتين نوويتين يعد أمر مستبعد الحدوث، لكنه ممكن الوقوع. رغم خطر الضربة الثانية واحتمال التدمير المتبادل.
حسب هذا التقدير فإيران لن تلجأ إلى استخدام هذا السلاح ولو افترضنا أنها تمتلكه.
الفرضية الثانية: عدم امتلاك إيران للسلاح النووي؛ إذا انطلقنا من هذه الفرضية فاحتمال قصف المنشآت الحيوية الإيرانية، بما فيها “النووية” وارد جدا، فهي مسألة وقت فقط.
ومع ذلك لابد من طرح السؤال التالي:
لماذا تأخرت إسرائيل عن الرد جراء تعرضها لقصف إيراني؟
الجواب يدور حول احتمالات عدة من بينها:
أولا: إسرائيل قد حققت الهدف من الهجوم على القنصلية الإيرانية وتعرضها “لِردٍّ” إيراني كانت تتوخى من ورائه، أساسا، تحويل الأنظار عما يقع في غزة والتنفيس عن الضغط الذي يتعرض له “نتنياهو” داخليا، وجلب التعاطف الدولي مع إسرائيل، بعدما دخلت في نوع من “العزلة” الدولية إثر الحرب الدائرة في فلسطين.
ثانيا: القيادة الاسرائلية لم “يحصل” بينها اتفاق من جهة، وبينها والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، فهذه الأخيرة غير مستعدة للدخول في حرب واسعة النطاق، ستكون تكلفتها مرتفعة جدا. كما أن الولايات المتحدة أضحت تفضل الحرب بالوكالة بدل الانخراط بشكل مباشر في الحروب الدولية،إلى جانب أن لها مصالح مباشرة في منطقة الخليج وعلى مقربة من إيران! ورغم ذلك فهذه المعطيات غير مقنعة لتبرير عدم الرد على إيران بعد قصفها لأسرائيل.
ثالثا: سوف ترد إسرائيل بالقوة العسكرية وهذا قرار تم اتخاذه وما هي إلا مسألة وقت لتنفيذه، واسرائيل تنتظر اللحظة المناسبة لتفعيله، وهو قرار ضروري لاستعادة هبة إسرائيل بعدما فشلت في حسم المعركة بغزة. ما يعزز هذا الطرح كون إيران مرَّغت ايضا “كبرياء” إسرائيل، بعد أن تجرأت وقامت بقصفها وبشكل مباشر وعلني، لذلك فهذا الأمر لن يمر هكذا، إضف إلى ذلك أن مواجهة إيران، باعتبارها “العدو الدائم”و “الخطير”لأسرائيل تعدُّ من بين المرتكزات الهامة التي تقوم عليها سياسة “نتنياهو” الداخلية و استراتيجيته الأقليمية والدولية، وإذا كان هذا الأخير يعيش اليوم أزمة حقيقية فذلك يتطلب منه القيام بعمل عسكري ضد إيران لتجاوز وضعه المأزوم، وهذه فرضية تبقى قائمة ومرجحة لكنها مكلفة جدا، كما أن عدم الاقدام عليها يعني أن إيران ضربت إسرائيل في العمق وأضحت قوة لا يُعلى عليها في منطقة الشرق الأوسط والخليج!.
رابعا: التخوف من الضربة الثانية؛ وهذا يجعل فرضية توفر إيران على أسلحة نووية مسألة حقيقية وأمر واقع وإلاَّ لماذا التردد الذي تعيشه إسرائيل منذ يوم تعرضها للقصف بالصواريخ الباليستية وإن كان مفعولها صفريا؟!
سؤال آخر يطرح نفسه بإلحاح ماذا تعني إيران ب: إذا تعرضتُ لهجوم إسرائلي فسيكون الرد “قاس” و”سريع” و”حاسم”؟!
هذا التصريح لايمكنه أن يخروج عن ثلاثة فرضيات أيضا:
1-أن إيران لها اتفاق مسبق مع إسرائيل، فحواه أن تسير الأمور بهذا الشكل، فكل نظام له حساباته، الداخلية والخارجية الخاصة به، وله مصلحة في تدبَّر “الأزمة” وفق منطق “لاغالب ولا مغلوب”، وكذلك من أجل “الحفاظ على ماء الوجه. فهنا نكون مرة أخرى أمام تكرار مسرحية” السليماني”، التي أكد جزء من حقيقتها الرئيس الأمريكي السابق “ترمب”.
2-أن إيران تمارس فقط نوع من الدعاية وتُضخِّم ما لديها من إمكانيات، فهي في الواقع غير الحقيقة التي تقدمها للرأي العام الدولي والوطني، فلن تصمد أمام هجومٍ إسرائلي يمكن أن يحدث، ولا هي قادرة على إنتاج رد قاسٍ مرعبٍ وحاسم، كما تدعي وتروج إعلاميا لذلك، ولنا في سابقة “السليماني” خير مثال على كيف يتعاطى نظام “خامنئي” مع هكذا أحداث ووقائع!.
3-الفرضية الثالثة تفيد أن إيران سترد فعلا بشكل”سريع و”حاسم” على اسرائيل إذا ما أقدمت هذه الأخيرة على مهاجمة إيران، فانطلاق إيران في خوض تجربة جديدة في إطار موازين القوى مع إسرائل ومهاجمتها بشكل مباشر، رغم أن الأمر يكتسي طابعا مسرحيا و محدودا، فإنه لم يأتي من فراغ، بل ينمُّ عن وجود إمكانيات عسكرية قوية وفعالة لدى ايران وهنا يمكن أن نحصر هاته الامكانيات في نوعين:
النوع الأول: توفر إيران على أسلحة جد متطورة، أكثر من الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية (الكارطونية) التي أطلقت على اسرائل في هجوم 13أبريل 2024، ولها قدرة تدميرية هائلة ستقضي على “القبة الحديدية” وستنهيها!!.
في إطار إمكانيات من هذا القبيل، فمهما بلغت “قسوتها” فلن تجعل إسرائل، وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، تفقد هيبتها أمام قدرات عسكرية إيرانية تدخل في نطاق ما يستعمل في الحروب التقليدية والمعتادة، ففي مثل معطيات عسكرية كهذه كان ممكن جدا أن ترد إسرائيل على هجوم إيران ليلة وقوعه إن كان، الامر طبعا، يخدم أجندتها السياسية والعسكرية ويخدم مصالحها الاستراتيحية.
النوع الثاني من الامكانيات تتجلى في توفر إيران على سلاح نووي يُمَكِّنها من رد “سريع وحاسم”، فهذا الأمر يمكن أن يكون فعلا(امتلاك السلاح النووي)،كما يمكن أن يحدث(رد سريع) وإلاَّ ما هو الأمر الذي جعل إسرائيل تتردد في الرد على إيران أو ما الذي جعلها “تخشى” مهاجمة إيران بشكل مباشر مادام أنها تعرضت لهجوم مباشر من طرف إيران؟!
فالمثير، فعلا، في هذا الموضوع الإيراني- الاسرائلي هو مسألة امتلاك إيران للسلاح النووي من عدمه، فترجيح امتلاك إيران للسلاح النووي سيثير ملاحظتين مهمتين:
الأولى تتعلق بفشل “وكالة الاستخبارت المركزية الأمريكية” و “الموصاد” في رصد التطورات التي عرفها صنع السلاح النووي الإيراني والإخفاق في تدميره برنامجه. وهذا يعدُّ في حد ذاته فشل للمنظومة الاستراتيجية والأمنية لإسرائيل ولحلفائها.
الملاحظة الثانية ترتبط بفشل “الوكالة الدولية للطاقة النووية” وخبرائها في مراقبة إيران، كي لا تطور برامجها النووية لأغراض عسكرية. وهنا يطرح أكثر من سؤال على مصداقية هذه المنظمة الدولية و مدى القدرة التي تتوفر عليها لمنع صنع النووي أو انتشاره.
من المألوف أن تغتال إسرائيل وكذا و.ا.م. الأمريكية شخصيات إيرانية، أو تقصف مصالح إيرانية ومواقع وتنظيمات تابعة لها، أو تقوم بهجمات سيبرانية على منشآت حيوية إيرانية..، ومن المألوف أيضا أن “الردود”الايرانية تكون محدودة “لإرضاء الخواطر” في إيران، لكن الخطوة الأخيرة(الهجوم المباشرة على إسرائيل) يمكن اعتبارها بمثابة تحول نوعي في استراتجية إيران بالمنطقة، وهو أمر سيساهم في تكريس مكانة إيران الاقليمية إذا لم يكن هناك رد إسرائلي قادم ويعمل على إعادة الأمور إلى التوازنات التي كانت قائمة بالشرق الأوسط والخليج إلى ما قبل 13أبريل 2024.