فضل الكلاب …

فضل الكلاب …
بقلم. عبد القادر بيطار.

هل أتاك أيها القارئ الكريم، الحديث عن فضل الكلاب، وبعض أحكامها في الفقه الإسلامي، وما قاله العلماء والأدباء والشعراء في ذلك مجملا ومفصلا ؟

فلقد ألف العالم الأديب اللبيب أبو بكر محمد بن خلف المرزبان المتوفى (ت309ه) كتابا ممتعا بعنوان: «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» أو “فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب” وهو كتاب ظريف لطيف جمع فيه صاحبه أموراً طريفة تتعلق بفضل الكلاب، كحفظ الجميل، وشفقة الكلب على صاحبه، وحراسته للماشية من الغادرين، واعتداء الذئاب على من لا كلب له … كما قال الشاعر:
تعدو الذئابُ على من لا كلابَ له
وتتقي صولةَ المستأسد الضاري.
وقد أجاز العلماء جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد وللماشية وللحراسة، وفصلوا الكلام في ذلك تفصيلا.
ويروى أن الإمام ابن أبي زيد القيرواني -رحمه الله- كان له كلب، فقيل له: كيف تتخذ كلبا والإمام مالك قد كره ذلك ؟
فقال: لو كان الإمام مالك يعيش في هذا الزمان لاتخذ أسداً.
وقد أشار الإمام أبو بكر محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي الموفى (ت829ه) في منظومته المسماة « تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام » إلى حكم بيع الكلاب وأقوال العلماء في ذلك، فقال:
واتفقوا أن كلابَ الماشيهْ
يجوزُ بيعها ككلب الباديهْ
وعندهم قولان في ابتياع
كلاب الاصطياد والسباع

وقد اشترط العلماء في أكل صيد الكلب أن يكون الكلب معلَّما، ومعنى كونه معلَّما أن يكون إذا زُجر انزجر، وإذا أُغري أطاع، وقيل: يضاف إلى هذين الشرطين: أن يكون إذا دعي أطاع.
ويقول الإمام القرطبي المفسر المشهور: “ولا خلاف بين العلماء في شرطين في التعليم وهما: أن يأتمر إذا أمر، وينزجر إذا زجر، لا خلاف في هذين الشرطين في الكلاب وما في معناهما من سباع الوحوش.
وقد استنتج الإمام القرطبي من قوله تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4] أن العالم له من الفضل ما ليس للجاهل، لأن الكلب إذا علم يكون له فضيلة على سائر الكلاب، فالإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس، لاسيما إذا عمل بما علم.
ومعنى قوله تعالى {مُكَلِّبِينَ} أي أصحاب كلاب، وقوله سبحانه وتعالى {تُعَلِّمُونَهُنَّ} أنث الضمير مراعاة للفظ الجوارح، إذ هو جمع جارجة.

ومن الطرائف الجديرة بالذكر هنا أنه دخل يوما أبو العلاء المعري الشاعر المعروف (449ه) على الشريف المرتضى، فعثر بِرَجِلٍ، فقال له الرجل: من هذا الكلب ؟
فقال أبو العلاء المعري:
الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما.
وقد جاء الإمام جلال الدين السيوطي (ت911ه) فيما بعد وتتبع كتب اللغة، فوجدها أكثر من سبعين اسما، ونظمها في أرجوزة له بعنوان: «التبري من معرة المعري» يقول في مطلعها:
قد نُقِلَ الثقاتُ عَن أبي العُلا
لما أتى للمُرتَضى ودخلا
قال له شخصٌ بهِ قَد عَثَرا
من ذلِكَ الكلبُ الذي ما أبصَرا
فقال في جوابه قولاً جلِي
مُعَبِّراً لذلك المجهّلِ
الكلبُ من لَم يَدرِ من أسمائِهِ
سبعينَ مومياً إلى علائِهِ
وقد تَتَبّعتُ دَواوينَ اللُغَه
لَعَلّني أجمعُ من ذا مَبلَغَه
فجئتُ منها عدداً كثيراً
وأرتجي فيما بقي تيسيرا
وقد نظمتُ ذاك في هذا الرجز
ليستفيدَها الذي عنها عجز
فسمّهِ هُدِيتَ بالتبرّي
يا صاحِ من معرّةِ المعرّي
كما خص أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255ه) الكلب بحظ وافر في كتابه الرائع » الحيوان » حيث تحدث عن الكلب وخصائصه، مثل ذكاء الكلب ومهارته في الاحتيال للصيد، والانتباه الغريزي للكلب، وأنفة الكلب، ومعرفة سن الكلب، وأمراض الكلاب، وأن الكلب أشد ثباتا وأصدق حسا، كما قال الشاعر:
فلا ترفعي صوتا وكوني قصية
إذا ثوب الداعي وأنكرني كلبي
ولعل أهم ما يميز عمل الجاحظ في هذا المجال هو تلك الفوائد اللغوية المهمة التي تكون موضوع استطراد عادة.
تلكم بعض الأحكام الفقهية، والفوائد العلمية والأدبية المتعلقة بفضل الكلاب في ثقافتنا العربية والإسلامية.

هوامش:

  • كتاب: تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، لأبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان، قدم له وعلق عليه الدكتور أحمد بن عياش اللطيف، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت الطبعة الأولى 2008.
  • عِقدُ الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، تأليف الإمام جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس 2/380 تحقيق الدكتور حميد لحمر، طبعة دار الغرب الإسلامي بيروت الطبعة الأولى 2003.
  • الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي 6/71 راجعه وضبطه وعلق عليه الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي طبعة دار الحديث القاهرة الطبعة الثانية 1996.
  • كتاب الحيوان، للجاحظ، الجزء الثاني، تحقيق الدكتور عبد السلام هارون، طبعة دار الجيل بيروت، 1988.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *