تغطية اختطاف “الجابرية “ صحافي رابط أمام طائرة مختطفة في مطار بومدين

تغطية اختطاف “الجابرية “ صحافي رابط أمام طائرة مختطفة في مطار بومدين
بقلم : طلحة جبريل موسى


*
(الحلقة العاشرة)
يمكن القول الآن بأنها كانت تجربة مثيرة وشاقة إلى أقصى حد. إذ لا يمكن الفصل بين الوقائع الخاصة بطائرة مختطفة وظروف العمل بل حتى المخاطر المهنية. كانت الطائرة “الجابرية” قد هبطت في عدة مطارات وانتهت رحلتها الدرامية في “مطار هواري بومدين” بالجزائر. كنا خلال نهارات وليالٍ طويلة نغطي التطورات ونحن على بعد أمتار من طائرة مختطفة زرع فيها خاطفون عدة ألغام ، وكان في قبضتهم أزيد من مائة رهينة إضافة إلى طاقم الطائرة ، كنا أمام عدة احتمالات : تفجير الطائرة وهو ما سيؤدي إلى مذبحة سنكون نحن الصحافيين حتماً بين ضحاياها، أو قتل الرهائن واحداً تلو الآخر، خاصة أنهم قتلوا رهائن عندما هبطت الطائرة في مطار لارنكا في قبرص كما هددوا بقتل آخرين، أو اقلاع الطائرة وانتقالها إلى مطار آخر، وهو ما كان يعني أن نغادر الجزائر إلى محطة أخرى ، والاحتمال الذي كان يتمناه الجميع إطلاق سراح الرهائن. كانت تلك التجربة المهنية استثنائية في كل شيء. هذه هي “الحلقة العاشرة” عن”قصة الجابرية” التي ستصدر في كتاب
*
لم يصمد الاندماج التلقائي والتعامل الودي بين الصحافيين المرابطين أمام طائرة “الجابرية” المختطفة طوال المدة التي بقينا خلالها مرابطين في “مطار هواري بومدين”، وكان ذلك بسبب خبر نشرته صحيفة “المساء” الجزائرية ، بعد أيام من اللقاء الصحافي الذي جرى بين ثلاثة صحافيين ، كان قد تم اختيارهم على أساس يمثل كل واحد منهم مجموعة من الصحافيين طبقاً لتقسيم لغوي (العربية والانجليزية والفرنسية).
وبقيت مشكلة الصحفي الثالث معلقة ، لذلك اقترحنا حل المشكلة بالتصويت، واقتصرت المنافسة على اثنين : مراسل (بس.بي.سي) و يوسف ابراهيم مراسل نيويورك تايمز” وهو من أصول مصرية ، و فاز إبراهيم باغلبية ساحقة على مراسل (بي بي سي)، بعدها سلم مراسل (بي بي سي) للزميل يوسف ابراهيم مسجلاً صغيراً، لتسجيل وقائع الندوة الصحفية. إلا أن المشكلة كانت تكمن في أن المسجل مرتبط بمايكروفون خاص يعمل على التقاط المادة المسجلة و يبثها الى آلة اخرى توجد بحوزة شبكة (بي بي سي) التلفزيونية.
لذلك في الوقت الذي كان الصحافيون الثلاثة على سلم الطائرة ، التقطت شبكة (بي بي سي) تصريحات الخاطفين، وكان أحد مراسلي وكالة (أسوشيتد برس) وهو لبناني يستمع إلى وقائع اللقاء الصحافي اولاً باول. فسارع إلى ارسال نص التصريحات إلى وكالته، وذلك قبل عودة الصحفيين الثلاثة من الطائرة إلى الخيام. الامر الذي شكل خرقا لاتفاق المراسلين على أن بث جميعاً وقائع اللقاء الصحافي في وقت واحد. وهو ما أثار جدلاً وموجة غضب وسط الصحفيين.
ومما أجج الأمر أن صحيفة “المساء” واتهمت مراسل “
نيويورك تايمز “
بالتواطؤ مع (بي بي سي) على حساب بقية الزملاء. لكن علمت من يوسف ابراهيم انه لم يكن يعرف ان جهاز التسجيل مرتبط بمايكروفون يبث فوراً المادة المسجلة، بيد أن مراسلي (البي بي سي) اكدوا بانه كان يعلم ذلك.
طلب يوسف ابراهيم من صحيفة “المساء” الجزائرية الاعتذار عن اتهاماتها بعد أن أوضح لمندوبها ملابسات الموضوع مشيراً الى ان صحيفة “نيويورك تايمز” ارسلت رسالة احتجاج شديدة اللهجة الى هيئة (بي بي سي) لانها عرضت مراسلها للخطر، اذ لم يكن يعرف رد فعل الخاطفين اذا هم علموا بان جهاز التسجيل كان مرتبطا بجهاز تنصت.
وكانت الصحيفة نفسها نشرت خبراً مفاده ان بعض الاميركيين جاؤوا إلى “مطار بومدين” لمتابعة تطورات قضية الجابرية، وقالت إن احدهم كان من بين رهائن طائرة (تي دبليو ايه) الاميركية التي اختطفت قبل ذلك وتنقلت بين الجزائر وبيروت.
هذه الواقعة تبين الكيفية التي تعاملت بها وسائل الإعلام الجزائرية مع حادث اختطاف “الجابرية” إذ أوفدت جميعها مراسلين إلى المطار، وظلوا يرابطون مثلنا لمتابعة التطورات، واقاموا جميعا في خيمة واحدة، وهي الخيمة التي وضع بها جهاز لبث اخبار “وكالة الأنباء الجزائرية” وكانوا يتنقلون بين المراسلين الأجانب و يستطلعون آراءهم حول الحادثة و تداعياتها.
في غضون ذلك ظلت الاذاعة والتلفزة الجزائرية تتابع التطورات عن كثب عبر فريق من المحررين والمذيعين والمصورين، يعملون طوال اليوم. وعندما تكون هناك تطورات مهمة دأبت التلفزة الجزائرية على قطع برامجها وبث أنباء هذه التطورات، وبالنسبة للاذاعة ظلت أنباء “الجابرية” تتصدر نشراتها على كل رأس ساعة وذلك عبر اتصال هاتفي من الاستوديو مع مندوبيها في المطار. وكان ملفتاً ان وسائل الاعلام الجزائرية المكتوبة والمسموعة والمرئية تعاملت مع الحدث بنوع من الحياد والمبادرة والجرأة في نقل التفاصيل كافة دون تعليق. وخصصت الصحف الجزائرية حيزاً مهما للحدث ومنذ البداية اتسمت تعليقاتها بالتفاؤل بامكانية ايجاد حل، وحتى في الوقت الذي بدا فيه أن الامور قد وصلت الى طريق مسدود، لم تخفت لهجة التفاؤل. ولعل من الملاحظات التي استرعت انتباهي ان المؤسسات الاعلامية الجزائرية اغتنمت فرصة وقوع الحدث لمراكمة تجربة عبر الاحتكاك مع وسائل اعلامية ذات صيت عالمي.
كان المحررون الجزائريون وبينهم عدد ملحوظ من الصحافيات يسألون عن كل كبيرة وصغيرة تتعلق بعمل المراسلين، كما قامت بعض الصحف باجراء مقابلات مع هؤلاء المراسلين بشأن انطباعاتهم عن محنة الطائرة “الجابرية”.
هذا التعامل الإعلامي الذي اتسم بالذكاء ، كان يماثل منهجية عمل الفريق الجزائري المفاوض، الذي أبدى قدراً كبيراً من المرونة والدهاء في معالجة الموضوع مع تكتم شديد بشأن سير المفاوضات ، وفي الوقت نفسه تم تجنيد كل الطاقات التي يمكن الاستفادة منها في مثل هذه المواقف ، وفي هذا الصدد لاحظت وجود مدير مكتب وكالة الانباء الجزائرية في بيروت بطار بومدين، وهو يجيد تماماً الحديث باللهجة اللبنانية وقد علمت انه أمضى اكثر من خمس سنوات في بيروت.
كان السؤال العويص الذي يتقدم على عداه من الاسئلة مفاده، ماهي تفاصيل صفقة اطلاق الرهائن، التي يتفاوض بشأنها الجزائريين .
كنا نعلم أن الجزائر تعهدت للخاطفين بمواصلة مساعيها من أجل إطلاق الرهائن؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *