النهوض بإقليم سطات، من هنا البدء…

النهوض بإقليم سطات، من هنا البدء…
عبد الإله طلوع : دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

في يناير 2012، كنت قد نشرت مقالا، تناول التهميش الذي يشهده إقليم سطات، و ما قد يطال هذا الإقليم من استنزاف والغريب في الامر انها فترة الرئيس الحالي كذاك الذي عجز تلك الفترة وعجزه اليوم على إيجاد الحلول لن يشكل مفاجأة لنا…
اليوم، وسط زخم الحديث والبحث عما يسمى بالنموذج التنموي، ارتأيت العودة لنفس الموضوع لتجديد التأكيد على انتظارات ظلت معلقة.
كل من سبق له أن زار سطات أو اشتغل فيها أو يعرف قدراتها و إمكانياتها، أو يكون إقليم سطات مسقط رأسه وأرض الآباء والأجداد، سيتحسر كثيرا لواقع هذا الإقليم عموما كيف كان؟ وكيف أصبح؟
أنا واحد ممن يتحسرون على حال المنطقة العزيزة، الغنية بمواقعها وطبيعتها وبمخزون مواردها البشرية.
أكيد، هناك من سبقوني في إثارة تفاصيل المشاكل التي تعج بها المدينة، كما أن الصحافة الوطنية والجهوية تتناولها من حين لآخر عبر بعض مراسليها الذين يدركون نبل الرسالة الإعلامية التي تطوقهم. وكثيرة هي الأقلام المحلية الصادقة، التي لم تتعب ولم تكل من تناول و إبراز القضايا الحارقة لعل “أولياء الأمر” يلتفتون إلى هذه المدينة والإقليم. في هذه الورقة، قد لن أفلح في الإتيان بمستجد، لكن هي رغبة شخصية مني للمساهمة في تكرار إثارة المعلوم من الهموم، وبالتالي الانخراط في حملة تكسير حواجز الصمت و التفرج.

مسؤولية المجالس الجماعية المتعاقبة

مدينة سطات هي نقطة صغيرة من جهة شاسعة، أراده البعض، و منذ عقود، أن يبقى مهمشا ضدا في تطلعات سكانه وانتقاما من معانقتهم للمد التقدمي في زمن سابق، و لكي يظل الإقليم منطقة احتياطية قابلة للاستنزاف في الزمن المناسب، كما سنرى لاحقا.
إن تنمية المدينة رهين بتنمية الإقليم ككل. ومن العبث، حسب ما أعتقد، الحديث عن أي نهضة للمدينة في معزل عن التنمية المتكاملة للإقليم.
مدينة سطات هي امتداد لأطراف مترامية داخل إقليم تختلف نوعية تربته و تضاريسه، من سهول و جبال وهضاب. فأي تخلف لجزء من هذه الأطراف سيؤثر سلبا على المدينة/المركز، و هذا هو الحاصل اليوم فعلا.
نعم، لم تتقدم المدينة كما يتوق سكانها، و لم يتقدم الإقليم أيضا بسبب بؤس “السياسات التنموية” المتعاقبة إن وجدت، وبسبب ضعف أداء جل منتخبي المدينة والإقليم، ونظرا لعدم التخلص من عقد الخوف التي فرضت على الناس طيلة سنوات الجمر، في الوقت الذي فتح فيه المجال، و شرعت الأبواب، في وجه الطفيليات كي تعبث و تنهب وتتلاعب.
هذه عناوين عريضة لأسباب أدت لتخلف الإقليم، وجرت العادة أن يتم التركيز عليها و ذكرها و الجهر بها حتى في مناسبات أمام مسؤولين، لكن لماما ما تتجرأ قلة من الأصوات وتجهر بذكر أسباب أخرى.
المجالس الترابية المتعاقبة على تسيير وتدبير المدينة لها دور محوري في تنمية الإقليم إن أرادت، بسبب تواجدها المستمر، و بفعل ما ينسب إليها، لكن لم تتحمل سوى القليل، وهو المتمثل في ما تجود به لفائدة الإقليم ولبعض الجمعيات.

باختصار، الوقائع المؤلمة تقول أن أنشطة المجالس والمجلس الحالي ساهمت و ما زالت تساهم، في تدمير البيئة والإنسان ومرافق ومآثر الإقليم … تفاصيل هذا التدمير تعرفها ساكنة المدينة و آلاف الأسر.
من حق الإقليم أن يستفيد من جزء من عائدات المنتجعات السياحية المفوتة والأسواق، و من واجب إدارة هذه القطاعات أن تحد من الخسائر و الأضرار التي تلحقها بالإقليم، و من قواعد الحكامة أن تعيد النظر في تعاملها مع مكونات المجتمع المدني، وتسهر على أن توجه ما تدفع من دعم مالي لفائدة التنمية الحقيقية، و ليس لملئ الجيوب ولإسكات أفواه “منتقدين”…

قطاع صحة مريض

مؤلم جدا أن لا يتوفر الإقليم، في صيغته القديمة أو الحديثة، سوى على مستشفى إقليمي واحد، سارت بذكره الركبان من حيث تسييره أو قدراته، و قواعد التعامل مع مرضاه وأسرهم. كل ساكنة الإقليم تقصد هذا المستشفى من أجل العلاج، و في حالات كثيرة يفرض على المرضى التنقل إلى الدار البيضاء أو بعض المصحات الخاصة بالمدينة، او مدينة برشيد بسبب ضعف التجهيزات أو انعدام تخصصات…

ومن أجل استشارة طبية، أو حقن إبرة أو مداواة جرح بسيط، على المواطن القروي قطع مسافة لا تقل عن عشرين كلمتر، في المتوسط، للعثور على مستوصف بأحد ما يسمى المراكز الحضرية و لا قدرة له على تلبية الحاجيات و الضروريات.
لا داعي للتذكير بالأرقام التي كشف مدى الخصاص الذي يعاني منه السكان، إذ قراءة في الخريطة الصحية للإقليم تؤكد أن واقع الشأن الصحي بسطات مأساوي، وسبق أن نددت به احتجاجات مواطنين في عدة مناسبات لكن دون أن يتحرك أحد من أجل معالجة القطاع و تطويره، بل وتطهيره من المتلاعبين والمتاجرين بصحة المواطنين، و من المرتشين الذين يزيدونه تأزما بممارساتهم المخجلة.

مشاكل بالجملة و برامج التنمية مؤجلة

لا أحد ينفي أن شبكة مؤسسات التعليم الثانوي والتأهيلي غير قادرة على استيعاب أبناء العالم القروي. الكثير من الأطفال ينقطعون عن الدراسة بسبب الفقر، والقليل منهم يتحملون عبئ قطع الكلمترات يوميا لاستكمال تعليمهم الإعدادي أو الثانوي. إن قلة المؤسسات التعليمية، وضعف تجهيزها، و غياب داخليات تستوعب المحتاجين وتضمن التغذية وشروط الإقامة المريحة بها، كل هذا يدفع أطفالا وشبانا إلى الانقطاع عن الدراسة و التيه في ازقة المدينة لكسب قُوتِهم و مساعدة أسرهم التي سحقها الزمن.

الطرق الرئيسية المهترئة بالإقليم عليها انتظار زيارات ملكية (إن بُرمجت) ليتسنى إصلاح بعضها، حسب اعتقاد السكان، علما أن كل الإصلاحات السابقة كانت مغشوشة لم تصمد سوى لشهور معدودة، وبخصوص المسالك التي تربط الدواوير بالطرق الرئيسية و الثانوية فحدث و لا حرج، وعدم تعبيدها و جعلها صالحة للاستعمال، يعكس مستوى أداء برلمانيي الإقليم الضعيف والجماعات المنتخبة منذ عقود، و يطرح سؤالا حول مدى استفادة ساكنة الإقليم من المداخيل المتعددة المصادر، ومن برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، و من هي الجهات و الجيوب التي استفادت منها، وبماذا أفادت الجهة المحدثة ساكنة الإقليم؟

إن الإصغاء لما يتناقله هناك المواطنون في حديثهم، سيقرب من يعنيه الأمر من الجواب و فهم بعض أسباب هذا التهميش، و معرفة مصير جزء مهم من الاعتمادات التي يقال أنها تخصص لتمويل” البرامج التنموية” .
حسب ما يعلم الجميع، يتوفر الإقليم على سوق مهم، وبعض المنتجعات السياحية المهمة كذلك، بعضها يضاهي أكبر المنتجعات على الصعيد الوطني. منتجعات وسوق من المفروض أن يكونا مصدرا من المصادر التي تساهم في التنمية بحكم مداخليهما. مع الأسف هذا ما لم يحصل بسبب عقلية التسيير المهيمنة منذ عقود. فوتت جل هذه المرافق والسوق والمنتجعات لذوي القربى والنفوذ، و تحولت لتنمية بطون و جيوب شرذمة معلومة لدى الجميع، في غياب المراقبة و المحاسبة….

لقد نجحت الدولة في تعميم الكهرباء على جل مناطق المملكة، بفضل البرنامج الوطني لكهربة العالم القروي . إقليم سطات من الأقاليم المغربية التي استفادت ساكنتها من هذا المشروع الذي استغل في حملات انتخابية، و ما زال يستعمل كورقة ضغط ضد جزء من الساكنة .أما مشروع تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب فما زال متعثرا بالإقليم، مثله مثل مشاريع استراتيجية أقبرت في مهدها و طالها النسيان أو يكاد.

الخوف من أوساط نافذة و لوبيات قادمة …

عموما، يعاني إقليم سطات من نقص كبير في مجالات أخرى، منها القضايا العميقة للتعليم سواء بالوسط الحضري أو الوسط القروي، أو وسط الطلبة داخل جامعة الحسن الأول التي بدورها تعاني من الفساد الذي نخر جسدها في مرحلة الرئيس السابق ( ولد البلاد). إضافة إلى ضعف الاهتمام بالإشكالية البيئية، التي لها تأثير على الصحة والاقتصاد، هناك خصاص واضح على مستوى البنيات الثقافية والرياضية والشبابية، التي تكاد تنعدم في جل مناطق الوسط الحضري وخاصة العالم والوسط القروي .

باختصار وجيز ، إن هذه المشاكل، المذكورة، قد تزداد استفحالا مع هذا المجلس الذي يعاني جل اعضاءه من الجهل والأمية أغلبية ومعارضة. وعدم الغيرة على المدينة.

أمام هذه الوضعية الدقيقة، ليس من بديل لدى النزهاء من المسؤولين والنواب، والجمعويين و المخلصين من نشطاء أبناء سطات، سوى التعاون والتعبئة، و الضغط من أجل تحقيق طفرة تنموية حقيقية، يكون مدخلها الأساسي:

ـ فرض قواعد الحكامة والمحاسبة والمشاركة على مستوى تدبير الشأن المحلي، و القطع مع مظاهر الريع والإمتيازات، وإنهاء العمل بالعقلية السائدة التي تستغل المسؤوليات الإدارية و التمثيلية من أجل الثراء الغير مشروع و تحويلها إلى مناصب لنهب المال العام .

و تتوخى هذه الطفرة التنموية تحقيق ما يلي:

ـ ضبط و تنويع الموارد المالية، و ترشيد النفقات و توجيهها نحو التنمية ذات المردودية الاجتماعية السريعة.

ـ خلق مناخ و بيئة نهضة سياحية عبر إشراك مختلف الكفاءات من أبناء الإقليم.

ـ إقرار استراتيجية بيئية ذات أبعاد تنموية، وعلى برلمانيي الإقليم ومجلس الجهة ومجلس الإقليم أن يساهمو مساهمة فعالة في أي تنمية مستدامة للإقليم و للجهة.

ـ التسريع بانجاز المشاريع الكبرى المبرمجة والمؤجلة ….

ـ التسريع بتجميع الأراضي الفلاحية وحل مشاكل التحفيظ ليستفيد الفلاحون الصغار والمتوسطين من الدعم و التأطير والقروض.

ـ إحداث البنيات التحتية الضرورية، كتعبيد الطرق و إصلاح المسالك، و إحداث مستوصفات اقتصادية، و مآوى الطلبة ودور الشباب و مراكز التكوين وملاعب القرب، مع التركيز على الوسط القروي.

ـ العناية بتلاميذ الوسط القروي و بطلبة الكلية والمعاهد.

ـ إعادة النظر في طريقة تدبير وتسيير وتنظيم الأسواق الأسبوعية والنموذجية و سوق الجملة، بما يخدم الباعة والتجار والفلاحين والمواطنين والمراكز الحضرية.

ـ إشراك الموطنين، عبر الجمعيات الجادة و التعاونيات والجماعات و النشطاء، في صناعة القرارات و تنفيذها.

ـ الإنصات للانتقادات و لدواعي الاحتجاجات، و التعامل معها بشكل راقي و ديمقراطي.

ـ تشجيع تبادل الخبرات و نقل التجارب الناجحة بين أقاليم الجهة بهدف تحقيق التكامل .

هذه المطالب و المقترحات ليست ابتكارا، إنها ضرورة كان من المفروض إعمالها منذ سنوات، بل منذ عقود، و اليوم لم يعد من الممكن تأجيلها، أو التهاون في تحقيقها. أكيد أنه في جعبة الفعاليات و الأفراد اقتراحات أخرى مهمة و من حقهم التعبير عنها. لذا على السلطات و الهيئات المنتخبة أن تستمع لنبض ساكنة الإقليم، و أن تعلم أن وجودها في تلك المناصب والمراكز هو من أجل خدمة الإقليم و ترجمة انتظارات أهله إلى واقع ملموس.طبعا، الرحيل سيكون مفيدا جدا لكل من عجز أو لمن لا يستطيع مواكبة هذه الانتظارات.
لذا، إن أي تفكير آخر، أي ممارسات أخرى، و أي إهمال جديد، سيما في هذه الظرفية، ستكون له تبعاته، سوف لن يفهم بالتأكيد، وطبيعي أن أبناء و شباب إقليم سطات سيعرفون كيف يتصدون له بشكل منظم و مسؤول.

ملاحظة: تعمدت عدم تناول قضايا، ذات أهمية، كالبطالة والهجرة القروية وما يتعلق بتخليق الإدارة و تعامل السلطة، وكلها مشاكل حاضرة تستحق المتابعة لاحقا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *