المغرب وتونس إلى أين تتجه العلاقات بين البلدين؟

المغرب وتونس إلى أين تتجه العلاقات بين البلدين؟
عبدالإله طلوع : دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

نشأت العلاقات المغربية والجارة تونس بفضل تبادل الزيارات الرسمية بين قادة البلدين منذ خمسينات القرن الماضي، وتركزت العلاقات الدبلوماسية التي أسّس لها كل من الملك المغفور له محمد الخامس والرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، حيث ابتدأت بفتح البعثة الدبلوماسية التونسية بالمغرب، وتوقيع معاهدة “أخوة وتضامن” بين المملكة المغربية وتونس.
وتوجت زيارة الملك محمد السادس لتونس، يناير 2014 بالتوقيع على” 23 وثيقة قانونية”، فضلا عن عقد الدورة 18 للجنة المشتركة المغربية _ التونسية، يناير 2015 فى تونس برئاسة رئيسي حكومتي البلدين.

وبعد وصول قيس سعيد لحكم تونس، عرفت تونس حضور وفد مغربي رفيع المستوى مثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في حفل تنصيب الرئيس التونسي، تكون آنذاك من رئيسي البرلمان المغربي وبعض المستشارين، حيث شكلت هذه الزيارة إحدى المحطات البارزة في درب تعزيز العلاقات الوطيدة بين البلدين، توقف المراقبون ووسائل الإعلام التونسية عند دلالاتها طويلًا وحظيت بإشادة واسعة و تقديرا كبيرا من قيس سعيد نفسه، علما أن الوفد المغربي كان هو الوفد الوحيد الذي حضر حفل التنصيب على الصعيدين العربي والمغاربي.

اقتصاديًا:
يعد المغرب الشريك الاقتصادي الثالث لتونس على المستوى المغاربي والعربي، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية أرقاما قياسية، كما توجد إتفاقيات شراكة وتبادل الخبرات في عدة مجالات كالثقافة والتعليم والمبدلات التجارية في مجالات أخرى.
هذه كلها معطيات تاريخية تؤكد إلى عهد قريب قوة ومتانة العلاقات السياسية و الاقتصادية بين البلدين بعيدا عن ملف الصحراء الساخن، و ما يجب التأكيد عليه هو أن المغرب وتونس يجمع بينهما إرث حضاري ممتد، يعطي للعلاقات المتميزة بينهما، دائما، طاقة وقدرة على مزيد من التطور في أفق بناء علاقة وشراكة استراتيجية قوية ونموذجية، تتميز بالغنى والتعدد، وهي علاقات “تاريخية وعريقة”، هذا فضلا عن علاقة الارتباط الثقافي والاجتماعي، بالإضافة إلى المصير المشترك والوحدة والتضامن المغاربي.

سياسيا:
بعد تصاعد وتيرة الخلاف بين الجزائر و المغرب حافظت تونس على علاقتها بالدولتين مثلها مثل الجمهورية الاسلامية الموريتانية، إلى أن جاءت كلمة للعاهل المغربي قال فيها “الصحراء..النّظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم هو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصدقات و نجاعة الشراكات، لذا نتظر من بعض الشركاء التقليديين توضيح مواقفها…” جاء الرد التونسي بعد أسبوع بإستقبال رسمي لإبراهيم غالي زعيم -جبهة البوليساريو- في تونس خلال قمة « تيكاد 8» المنعقدة في تونس، وحظي إبراهيم غالي باستقبال رسمي شأنه شأن باقي رؤساء الدول الافريقية المشاركة في القمة واللافت في الأمر أن الوفد الصحراوي لم يكن فيه رئيس الوفد فقط، بل كان فيه سفيران وعدد من المسؤولين الصحراويين.

لم يتأخر رد الرباط طويلا اتجاه هذه الخطوة حيث سحبت المغرب سفيرها من تونس وقاطعت قمة “تيكاد” ثم أصدرت خارجيتها بيانًا أكدت فيه أن “استقبال إبراهيم غالي عمل خطير وغير مسبوق ويجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي، وهي ردة فعل تؤكد حجم الاستياء وتغيير النظرة المغربية اتجاه تونس من موقفها من ملف مغربية الصحراء .

الجانب التونسي رد هو الآخر بالمثل واستدعى سفيره في الرباط للتشاور وأصدر بيانًا يحمل لغة الاستغراب والحيرة اتجاه تصرفات المغرب.
في اعتقادي ان الخٌطوة كانت غير محسوبة لا من حيث الزمن ولا المكان رغم ان موقف قيس سعيد من إستقبال زعيم الجمهورية الوهمية لم يكن موقف حرا وإنما كان بفعل فاعل…
الخُطوة كانت غير محسوبة خاصة من حيث الزمن لأن ملف الصحراء المغربية مؤخرا قطع أشواطا مهمة وتقوّى والدليل هو اعتراف مجموع من الدول العظمى بمغربية الصحراء وفتح مجموعة من القنصليات بأقاليم المملكة الجنوبية.
فتونس مدعوة اليوم إلى تصحيح موقفها، والتحرك بسرعة وعلى أعلى مستوى من أجل احتواء الأزمة المستمرة التي ستضرر بها اكثر ، وعلى “تدارك الموقف والتحرك من إعادة سفيري الدولتين لاستئناف عملهما”.
كذلك أعتقد أن مصلحة تونس اليوم في شتى المجالات هو التقرب من المغرب وتقوية العلاقات وتسويتها.
وهذا ما عبر عنه مؤخرا السفير التونسي سابقا إلياس القصري الذي عمل سفيرا لتونس بألمانيا والذي أكد على أنه “ حان الوقت لمراجعة الخيارات الدبلوماسية والاستراتيجية في السنوات الأخيرة لتونس، لأنها تقودهم نحو العزلة، وتجعل تونس عرضة للتدخل الخارجي من قبل قوى تحاول فرض خيارات تتعارض مع سيادتهم الوطنية ومصالحها”.
واليوم لا توجد أي حجة لمواصلة هذه الأزمة وهذه المصاعب الدبلوماسية، الأمر يتعلق بزلة دبلوماسية تونسية لم تحمل أية أخطار بالنسبة للمملكة المغربية والدليل هو التطور الكبير والمهم والإيجابي الذي عرفه ملف الصحراء المغربية، بالإضافة الى انه لم يكن هناك أي تصعيد دبلوماسي وسياسي في سياق العلاقات بين تونس والمغرب، والأرضية قابلة لتدارك الأمر بسرعة.

دبلوماسيا :
يملك المغرب الكثير من الحلفاء الاستراتيجيين في القارة السّمراء وهذا ما اتضح جليًا بعد مقاطعة المغرب للقمة حيث أعربت الكثير من الدول الافريقية خلال القمة عن استياءها من غياب المغرب (الشريك البارز). في الاتجاه الآخر لا يخفى على عاقل أن الاستقبال الذي خصص لزعيم البوليساريو في تونس ورفع العلم الصحراوي في قصر قرطاج له دلالات سياسية كبيرة أكثر من كونه مجرد حضور لقمة تنموية، أقل ما يمكن أن يقال عنه -الاعتراف التونسي بالجمهورية الصحرواية- ولو بشكل غير مباشر و تغيير جديد في قواعد اللعبة السياسية بين الدول المغاربية وخصوصًا بين المغرب وتونس.

بعد التوتر الجزائري المغربي الذي عشناه في الفترة الأخيرة والذي تجاوز مداه الجغرافي حدود الدولتين وصولًا إلى أوروبا بإستخدام كل منهما سلاحها الخاص في أروقة القمم الدولية، حيث توّظف الجزائر ملف الغاز الذي يعتبر سهمًا مرتفعا في السوق الأوربي هذه الأيام كما توظّف المغرب ملف الهجرة السرية والذي ليس أقل درجة من الآخر، تأتي تونس اليوم كقطب ثالث في تطور هو الأول من نوعه يبدد أمال المغرب حول بقاء تونس على الحياد الذي حافظت عليه لأكثر من نصف قرن تقريبًا.

فهل تعود العلاقات بين المغرب وتونس إلى طبيعتها ؟ أم أننا سننتظر رئيسا آخر ليصلح ما أفسده قيس سعيد ؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *