المغرب بين الحاجة إلى فضاء سياسي حيّ وحكومة فعّالة: نحو أفق جديد للتنمية والديمقراطية

المغرب بين الحاجة إلى فضاء سياسي حيّ وحكومة فعّالة: نحو أفق جديد للتنمية والديمقراطية
بقلم: الدكتور طلوع عبدالإله، باحث في العلوم السياسية

يمر المغرب اليوم بمرحلة دقيقة تتطلب أكثر من مجرد إدارة اعتيادية للشأن العام. نحن أمام لحظة تاريخية تستوجب إعادة بناء الفضاء السياسي، وتفعيل دور المؤسسات، وتحقيق توازن حقيقي بين الإرادة الملكية المعلنة للتقدم والإصلاح، وبين أداء الفاعلين السياسيين الذين يفترض أن يُحوّلوا هذه الإرادة إلى سياسات ونتائج.

البلاد بحاجة إلى مشروع وطني شامل، لا يقوم فقط على المبادرات الملكية، بل على تفاعل حقيقي داخل المجتمع: من حكومة تشتغل بكفاءة، إلى أحزاب تقدّم البدائل، إلى مجتمع مدني يرفع الصوت، وإعلام يُحصّن الوعي الجماعي. وهذا يتطلب إعادة الاعتبار إلى السياسة، لا فقط كمهنة، بل كوظيفة اجتماعية نبيلة.

فضاء سياسي حيّ… السياسة ليست “موسمًا انتخابيًا”

أثبتت السنوات الأخيرة أن السياسة في المغرب، رغم التعدد الحزبي، تعاني من ضعف المبادرة، وضمور النقاش العمومي، وتراجع ثقة المواطن. كثير من الهيئات تحوّلت إلى مؤسسات شبه مغلقة، تشتغل بمنطق الكواليس أكثر من منطق المشاركة.

الملك محمد السادس أكد غير ما مرة على ضرورة “تطوير المؤسسات السياسية، وتحقيق الاستقرار في فضاء يسوده التفاهم بين مختلف الفرقاء”، كما جاء في خطاب العرش لعام 2020. لكن هذا التوجيه ظلّ بعيدًا عن التطبيق الكامل، في ظل محدودية الأداء الحزبي، وضعف التأطير، وغياب روح التجديد.

الفضاء السياسي المطلوب ليس فقط تعددية في الشكل، بل تعددية في الأفكار، وجرأة في الطرح، وصدق في الالتزام، بما يساهم في إعادة ربط السياسة بالحياة اليومية للناس، ويمنح العمل السياسي شرعيته الاجتماعية والأخلاقية.

الحكومة: بين الوعود والإنجازات

دخلت هذه الحكومة، بقيادة حزب حصل على أغلبية واسعة، وسط وعود كبرى: إصلاح التعليم، تجويد الخدمات الصحية، خلق مناخ اقتصادي جاذب، وتقليص الفوارق الاجتماعية. لكنها، بعد أكثر من ثلاث سنوات على بداية ولايتها، لم تنجح في تحقيق الإقلاع المنشود.

مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية، يبدو أن الفارق بين الشعارات والواقع ما زال شاسعًا. التحديات باقية، والحلول المقدّمة ما تزال، في كثير من القطاعات، جزئية أو خجولة. هذا يجعل من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، التفكير في نوعية الحكومات التي نحتاجها مستقبلًا: حكومات كفاءة لا فقط أرقام انتخابية، حكومات رؤية لا فقط تدبير يومي.

الملك، في خطابه سنة 2017، قال بوضوح: “أريد حكومة قوية وفعّالة، قادرة على رفع التحديات، وعلى أن تكون في مستوى تطلعات الشعب المغربي.” هذا التصريح يجب أن يُقرأ كمرجع دائم، ومعيار لتقييم كل تجربة حكومية.

الإعلام والمجتمع المدني… من الهامش إلى صُلب التحول

التحول الديمقراطي لا يتم فقط من داخل المؤسسات الرسمية. لا بد من إعلام مستقل يُواكب ويُسائل ويُقوّي الوعي العام. ولا بد من مجتمع مدني يُمارس وظيفته كمحاور حقيقي، لا فقط كملحق تنفيذي.

في خطاب الذكرى العشرين للعرش، دعا الملك إلى “تكريس الحوار المجتمعي، وتعزيز دور الجمعيات في إشراك المواطنين.” لكن هذا الطموح لا يتحقق دون حماية حرية الرأي والتعبير، وضمان بيئة قانونية وإدارية تُشجّع العمل المدني لا تُقيده.

خاتمة: هل تنجح المرحلة المقبلة في تصحيح المسار؟

نحن على مشارف نهاية الولاية الحكومية الحالية، في سياق اجتماعي يتسم بتحديات اقتصادية، وتفاوتات مجالية، وتراجع منسوب الثقة في الفعل السياسي. ورغم المشاريع الكبرى التي أُطلقت على المستوى الاستراتيجي (الحماية الاجتماعية، النموذج التنموي الجديد، التحول الرقمي…)، يبقى سؤال التنفيذ، والعدالة، والمردودية، مطروحًا بإلحاح.

المرحلة المقبلة يجب أن تكون محطة تقييم عميق، واستخلاص للدروس، وإعادة ترتيب للأولويات. المغرب يستحق حكومة بوجه إصلاحي حقيقي، وفضاء سياسي ينبض بالمسؤولية، ومجتمعًا متفاعلاً وواعيًا بدوره في البناء الوطني.

وحده الحوار الجاد، وتكافؤ المسؤوليات، والتقاطع بين الإرادة السياسية والفعالية المؤسساتية، هو ما سيُمكّن المغرب من دخول مرحلة جديدة من التنمية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *