اللعبة الكبرى بالشرق الأوسط بين الحرب و السلم هندسة “الإدماج” عنوان للمرحلة القادمة

اللعبة الكبرى بالشرق الأوسط بين الحرب و السلم هندسة “الإدماج” عنوان للمرحلة القادمة
مجلة24 : نزار القريشي

بات من الواضح جليا، تزايد الرغبة الملحة لكل أطراف مجتمع الاستخبارات العالمي، في لملمة الفوضى العارمة، و التي يشهدها العالم، بدءً و بداية هذا القرن، بالحرب التي شملت كل من أفغانستان و العراق، بعد تنامي نظام القطب الواحد، و الذي نتج على إثر امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لفائض قوة كبير جدا، وذلك بعد تفكك و انهيار الاتحاد السوفياتي، و الذي كان من مؤدياته المباشرة سقوط جدار برلين. وبذلك تم تجاوز الخرائط التي جاءت مع نتائج و مقرارات الحرب العالمية الثانية، غير أنَّ بعض التجاوزات لمجالات النفوذ، وتداخل المسؤوليات في بعضها البعض، و في الأدوار التي تم توزيعها بعد 1945 م ، هو ما زاد من رغبة الناتو بالتوسع أكثر على حدود روسيا ، وذلك بعد مجيء “فلاديمر بوتن” لرئاسة القُطر الروسي، وبعد الخطوة التي أقدم عليها “الكريملين” باتجاه القرم. إذ هذا هو ما استدعى الحرب الأوكرانية، و متابعتها بحرب غزة، مع استمرار الغموض الذي يلف و ضع بحر الصين الجنوبي و تايوان. كما أن هذه التطورات ساهمت فيها، و بشكل أقل الأزمات المالية ، ومستويات التضخم العالمي، وهو دفع ما بالاقتصاديين الدوليين الكبار إلى استدعاء هذه الحروب و النزاعات الدولية، وفق ما أسست له نظريات العالم الاقتصادي ” جون مينارد كينز “، و التي ارتبطت حينها بأولويات المصاريف الدولية ومصالحها، وهي نظريات نجحت في إخراج العالم من أزماته المالية كلما تجددت هذه الأزمات.

إلى ذلك، إنَّ دراسة و مواكبة الفوضى السائدة، والتي يشتغل مجتمع الاستخبارات على إيجاد حلول لها، عبر مقاربات صادرة من مجموعة بلدربيرغ و اللجنة الثلاثية،على اعتبار هذه السقوف التي وصلت إليها الأزمات الدولية المذكورة سلفا.

وفي متابعةٍ للسياق ذاته، تسرب من مديرية الاستخبارات الخارجية الفرنسية من داخل مكتب “نيكولا ليرنر”، خبر المفاوضات السرية التي تجري بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بداخل مبنى سفارة إيران بالعاصمة المجرية ” بودابست”. و تتضمن النقاشات بين الطرفين والتي تجري على مراحل، التقريب من وجهات النظر حول الوضع الدولي بالشرق الأوسط، و مدى إمكانية انخراط إيران في إحداث تغيير يشمل مراجعة رؤيتها وعلاقاتها بالإقليم على المدى المتوسط و البعيد، مع طرح محفزات جد مغرية لطهران، قد تساهم في ازدهارها ، وتسمح لها بالرفع من سقف طموحها في التنمية و التقدم، مع الالتزام بإلغاء العقوبات الصادرة في حقها نهائيا و بدون عودة . و تتلخص الخطط المطروحة عليها، بالتزامها عدم وضع اليورانيوم المخصب لديها بنسبة 90 في المائة على تصاميم لقنابل نووية، و التخلي التدريجي عن دعم أدواتها بالمنطقة، للتسريع باندماج هذه الأدوات في محيطها المحلي، وهي رؤية لهندسة “الإدماج” ستكون عنوانا للمرحلة القادمة بالشرق الأوسط.

لذلك، فإن التفاهمات حول معالجة الأزمة الدولية بأوكرانيا وغزة، و الأزمات ذات الصلة بهما، تؤهل التسريع بتنزيل خرائط ما بعد الحربين.إذ ستسمح هذه الخرائط بتقسيم مجالات النفوذ من شرق آسيا و إلى جنوبها ما بين الصين و الهند و روسيا، مع الاحتفاظ بوضع خاص لمنطقة البحر الهادي باعتبار الصراع المفتوح بين الكوريتين في ظل رفض بيونغ يانغ لأي حوار متقدم مع سول، و ارتباط مصالح طوكيو العسكرية مع البنتاغون، في امتداد ذلك نحو بريطانيا العظمى بالقارة الأسترالية.

و على مستوى الشرق الأوسط، فإن مرحلة ما بعد الحرب بغزة ، ستدفع بما تبقى من الفصائل و حماس للاندماج في إطار وطني مع باقي المكونات الفلسطينية ، مما سينهي الانقسام بينهما، بعد إتمام عملية الاندماج تلك. هذا ، ومن جانب آخر. فإن الوضع بالنسبة لحزب الله لن يخرج عن إطار ما هندسته عملية “الإدماج” السالفة الذكر، و التي تسربت محاورها على لسان مستشارة لرئيس عربي، إذ تلقى عملية ” الإدماج” هذه دعما من دول الإقليم ، و بعد طرح النقاشات و التفاهمات الجارية بين الجيش اللبناني و واشنطن و الرياض عبر وساطة قصر الإليزيه، سيخلص الجيش اللبناني بعد تحكيمه للعقل، و كضرورة لإنقاذ البلد من الانهيار التام، و النهوض باقتصاده وتنميته، إلى أنه ما من بد لتجاوز أزمات لبنان ، إلَّا باندماج حزب الله و سلاحه في الجيش اللبناني، وهو ما تدعو إليه الأصوات المعارضة للحزب من داخل لبنان و خارجه، وذلك على اعتبار أهمية الإجماع الوطني الذي يحظى به الجيش لدى جميع الطوائف اللبنانية. وهو ما سيلغي الاحتقان الداخلي، ويساهم في جلب الاستثمارات العربية و الغربية، والدعم المالي الذي سيتدفق على بيروت من أبو ظبي و الرياض و باريس و لندن. ومن جهة أخرى فإن هندسة هذا “الإدماج”، هو ما قد تقبل به جماعة “أنصار الله” على المدى المتوسط لما فيها من محفزات ، إذ تضمن هذه المحفزات التي ستقدم لجماعة “أنصار الله” العودة عن قرار تقسيم اليمن و استقلال جنوبه، وهو ما سيضمن بقاء اليمن موحدا ، إِنْ انخرط “الحوثي” في مسار عملية الاندماج مع كل مكونات الدولة اليمنية، إذ ستوفر الرياض استثمارات هائلة للنهوض باليمن في إطار النهضة التي ستشمل الإقليم. وهو ما يؤكد معه أن هندسة ” الإدماج” ستكون عنوانا للمرحلة على المدى المتوسط و البعيد ، وهو ما سينتج عنه ترسيم خرائط جديدة لهذا المدى المتوسط و البعيد، ستكون قابلة للصمود إلى غاية سنة 2090 م . إذ بعد هذا التاريخ، و بعد انتفاء الثروات الباطنية بإقليم الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، سيكون الوضع بالإقليمين مؤهلا لخرائط جديد، وهو ما كشفت عنه خرائط صادرة عن ” تجمع البنائين الأحرار” بفرنسا، إذ أخذت هذه الخرائط بعين الاعتبار تخفيف الضغط على الحكومات الوطنية المركزية ، في ظل قلة الثروات آنذاك، وذلك عن طريق اللاتمركز الإداري و الجغرافي، الذي تضمنته هذه الخرائط، نحو تجاوز وضعية التمركز إلى وضعية اللاتمركز، وهو ما يتم حاليا الاشتغال عليه، مع ما يصاحبه ذلك من أوراش للجهوية المتقدمة، كما هو الحال بعدة دول، من أهمها النموذج البريطاني و الإسباني.

2 thoughts on “اللعبة الكبرى بالشرق الأوسط بين الحرب و السلم هندسة “الإدماج” عنوان للمرحلة القادمة

  1. استاذ نزار تحليلاتك و مقالاتك هي الأكثر عمق و شمول فيما يخص ما ينشر باللغة العربية و يكون متاح لعامة القراء ،، كيف يمكننا متابعة مقالاتك بدلا عن تتبع شذرات تنشر هنا و هناك ؟

  2. يكفي أن تبحثي في محرك البحث الخاص بالصحف التالية:
    رأي اليوم: نزار القريشي
    الأسبوع الصحفي: نزار القريشي
    تطوان44 : نزار القريشي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *