الفساد والعدالة: حينما تُستباح أموال الشعب باسم الدعم

الفساد والعدالة: حينما تُستباح أموال الشعب باسم الدعم
محمد أزلو

في خضم التطورات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالمشهد الوطني، تأتي الخرجة الجريئة لنزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، كصفعة مدوية تفضح المستور وتكشف عن زوايا مظلمة في إدارة المال العام. تصريحاته الأخيرة، التي أماطت اللثام عن حصول مستوردي الأغنام والأبقار على مبالغ مالية خيالية تُقدّر بـ 13 مليار سنتيم، أثارت ضجة كبرى وأسئلة لا تنتهي حول مصير هذا الدعم الذي كان من المفترض أن يُسهم في تخفيض أسعار اللحوم الحمراء، لكنه، على العكس، لم يترك أي أثر يُذكر على جيب المواطن البسيط.

لم يمر هذا التصريح دون ردود فعل، إذ سارعت النيابة العامة المختصة إلى إصدار تعليماتها للفرقة الوطنية للشرطة القضائية لفتح تحقيق معمّق بشأن شبهة اختلاس أموال عمومية مخصصة لدعم استيراد الأغنام والأبقار. هذا التحرك يُنذر بمرحلة جديدة قد تضع المستفيدين من هذه “الكعكة الدسمة” أمام المساءلة القضائية. لكن، هل ستكون هذه التحقيقات بداية لاستعادة الثقة المفقودة في مؤسسات الدولة؟ أم أنها مجرد حركة تكتيكية لإخماد غضب الشارع؟

بحسب مصادر مطّلعة، فإن كبار المستوردين الذين استفادوا من الدعم السخي والإعفاءات الضريبية هم في صلب هذه القضية، ومن بينهم برلمانيان نافذان أحدهما من جهة بني ملال والآخر من جهة الدار البيضاء سطات. هؤلاء الأفراد، الذين كان يُفترض بهم أن يكونوا جزءاً من الحل، تحوّلوا إلى جزء أساسي من المشكلة. فقد استغلوا نفوذهم السياسي للحصول على مبالغ ضخمة دون أن ينعكس ذلك على أسعار اللحوم، التي بقيت بعيدة المنال عن متناول المواطن البسيط.

السؤال العميق الذي يطرح نفسه بقوة هو: من يتحمل المسؤولية الحقيقية؟ هل يقتصر الأمر على المستوردين الذين جمعوا الأموال دون وجه حق؟ أم أن هناك شبكة أوسع من المسؤولين الذين شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في تسهيل هذه العملية؟ الدعم الحكومي، مهما كانت نواياه نبيلة، قد يتحوّل إلى أداة للفساد إذا لم تُرافقه آليات صارمة للرقابة والمحاسبة.

لقد بات من الواضح أن الفساد لم يعد مجرّد ظاهرة عابرة، بل أصبح جزءاً من بنية بعض القطاعات الاقتصادية. حينما تُمنح مليارات السنتيمات لمستوردين لا يخفضون الأسعار، وحينما يُترك المواطن يواجه الغلاء وحده، فإن ذلك يعكس خللاً عميقاً في توزيع الثروات وفي تحقيق العدالة الاجتماعية.

إن الشعب المغربي، الذي يئن تحت وطأة أزمات اقتصادية متتالية، لم يعد يقبل بمزيد من الوعود الجوفاء. يحتاج إلى خطوات ملموسة تُعيد له ثقته في مؤسسات الدولة، بدءاً من محاسبة المتورطين في هذه القضية، وصولاً إلى إصلاح شامل لمنظومة الدعم والرقابة.

في نهاية المطاف، تبقى هذه القضية اختباراً حقيقياً للمؤسسات الوطنية، وفرصة لإثبات أن القانون فوق الجميع، مهما كانت مناصبهم أو نفوذهم. وإذا ما تم التعامل مع هذه التحقيقات بشفافية ونزاهة، فقد تكون بداية لتحوّل حقيقي يُعيد بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطن. أما إذا انتهت كسابقاتها من القضايا الكبرى دون نتائج حقيقية، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تعميق فجوة الإحباط لدى الشعب، الذي بات ينتظر بفارغ الصبر لحظة يلمس فيها العدالة بأم عينه.

إنها لحظة الحقيقة التي ستكشف إن كان القضاء قادراً على مواجهة الفساد بكل شجاعة، أم أن المصالح الضيقة والنفوذ السياسي ستبقى هي الحَكَم في مصير هذه القضية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *