العام الدراسي .. إسدال الستـار
بالإعلان عن نتائج الدورة الاستدراكية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا، يسدل الستار عن عام دراسي استثنائي بكل المقاييس، لما ميزه عن غيره من المواسم الدراسية السابقة من قرارات “غير مسبوقـة” كان لابد من الرهان عليها للتكيف الاضطراري مع طقوس جائحة عالمية لازالت مصرة على الفتك والإرباك في المغرب كما في باقي دول العالم، وعلى رأسها توقيف الدراسة الحضورية والاستنجاد الذي لامحيد عنه بنمط “التعليم عن بعد” لضمان “الاستمرارية البيداغوجية، وفي هذا الصدد، قد يخرج البعض مطبلا محتفلا بإنقاذ العام الدراسي من شبح السنة البيضاء، وقد يغرد البعض الآخر مبتهجا بكسب رهان “التعليم عن بعد”، وقد يهلل البعض الثالث، معبرا عن تحقيق نصر ما بعده نصر، بالنجاح في إجراء الاستحقاق الوطني المرتبط بالامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا في ظل وضعية وبائيـة غير مستقرة وغير مطمئنة، وقد يرفع البعض الرابع شعار “التعليم عن بعد” لاقتحام خلوة الدخول المدرسي المرتقب مطلع شتنبر القادم، وقد يشهر البعض الخامس ورقة الأرقام والمعطيات من نسب نجاح ومعدلات جهوية ووطنية وموارد رقمية “غيرمسبوقة” وانفتاح على فضاءات “غير مألوفة” لاجتياز استحقاق البكالوريا (قاعات رياضية، مدرجات الجامعات)، دفاعا عن منهجية تدبير التداعيات الجانبية للأزمة الوبائية على المشهد التربوي، لكن ومهما كانت درجات الحماسة ومهما كانت مستويات الافتخار والاعتزاز بما تحقق من معطيات وأرقام، يمكن أن نطرح سؤالا مشروعا : ماذا بعد ؟
ونحن نجازف في طرح هذا التساؤل في خاتمة هذا العام الدراسي الاستثنائي، ليس معناه تجاهلنا لما تم اتخاذه من قرارات وما تم تنزيله من تدابير، أو تبخيسنا لما تحقق من مكاسب “غير مسبوقة” في ظل “التعليم عن بعد” رغم ما اعتراه من مشكلات وصعوبات، وما أثاره من جدل متعدد المستويات، فنحن نقدر ونثمن ما بذل من جهد لإنقاذ الموسم الدراسي من شبح السنة البيضاء، والحرص على ديمومة العمليات التعليمية التعلمية بعد التوقف الاضطراري للدراسة الحضورية، لكن في ذات الآن، نرى أنه لايمكن البتة الركوب على الموجة أو اللجوء الاعتيادي إلى رفع شعار “العام زين”، لأن ما تحقق، لن يكون إلا “استثناء” في “زمن الاستثناء” أو كدواء اضطراري لداء استثنائي، فمن خلال واقع الممارسة، فبيت المنظومة التربوية لا يسـر الناظرين، والرياح المرسلة للإصلاح التي بشرت بها “الرؤية الاستراتيجية” و”قانونها الإطار” يكاد لا يلمس لها أي أثر في الميدان(واقع الممارسة)، فالشغيلة التعليمية لازالت تتقاسم أحاسيس اليأس والإحباط والإقصاء والاحتقان وانسداد الآفق، في ظل مهنة تكاد تغيب عن سمائها شمس الدعم والتحفيز والاعتبار مقارنة مهن أو وظائف أخرى، وبنيات الاستقبال معظمها يفتقد لكل شروط الجاذبية والحياة، والمناهج المتهالكة وما يرتبط بها من برامج متجاوزة غارقة في الكم، وأطر مرجعية مكرسة للنمطية، وطرائق تقويم لم تتخلص بعد من مخالب الحفظ والذاكرة والتخزين والتلقين، بشكل يجعلها مكرسة للرتابة والبؤس المنهجي والنقدي والمواقفي …(مادة التاريخ والجغرافيا نموذجا)، لازالت مصرة على البقاء والحضور في مشهد تعليمي بات متجاوزا، قياسا لما شهده المغرب خلال العقدين الأخيرين من متغيرات سياسية وقانونية وحقوقية وتنموية ومؤسساتية، واعتبارا لما يشهده العالم من ثورة رقمية هائلة، لا مكان فيها للمترددين أو المتهاونين أو المتقاعسين..
وعليه، لا مناص من القطع مع ثقافة “قولو العام زين” وما يرتبط بها من “تطبيل” و”تهليل” ومن لعب على أوتار الأرقام والمعطيات الخادعة التي لا تعكس واقع الحال، لنتملك جميعا ملكة قول الحقيقة بمسؤولية وتجرد وحياد، بشكل يسمح بتصويب الرؤية وتصحيح المسار، في إطار خطة إصلاحية شمولية، تستحضر ما شهده المغرب من تحولات خلال العقدين الأخيرين، وما يشهده العالم من ثورة رقمية هائلة، تسائل المناهج القائمة منذ سنوات وما يعتمد في الحقل البيداغوجي من مقاربات وطرائق تدريس، وما أبانت عنه الجائحة الكورونية من دروس وعبر، تستدعي إصلاحا حقيقيا لمنظومة التربية والتكوين بمختلف مستوياتها، بما في ذلك نظام البكالوريا الذي بات في أمس الحاجة إلى التجديد والتغيير، وإذا كانت الأرقام والمعطيات ذات الصلة بالوضعية الوبائية، ترجح كافة “التعليم عن بعد” أو على الأقل “التعليم التناوبي” (حضوري-افتراضي) فيما يتعلق بالدخول المدرسي المقبل، فهي مناسبة للتأكيد، أن هذا النمط من التعليم لابد له من شروط وقواعد ووسائل، ولا يمكن تصوره، إلا في ظل مناهج وبرامج جديدة مندمجة في صلب الرقمنة ومتفاعلة ومتناغمة معها، غير هذا، ستكون أية محاولة لتنزيل هذا “التعليم الافتراضي” أشبه بمن يحاول إضافة “مساحيق التجميل” لوجه شاحب، ونختم بالإشارة، أن “الكرة” الآن في مرمى “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي” التي يعول عليها لتقديم حلول مبدعة وخلاقة، من شأنها وضع المنظومة التربوية على سكة النهوض والارتقاء، على ضوء ما أبانت عنه “كورونا” من مظاهر القصور والمحدودية والتجاوز، من منطلق أن أي نموذج تنموي مرتقب، لايمكن تصوره إلا في ظل “تعليم رصين” يقطع مع كل مشاهد التجريب واللخبطة والارتباك وانسداد الأفق …
Laaouissiaziz1@gmail.com