التجنيد الإجباري في المغرب: بين مدرسة للوطنية وعبء على كاهل الشباب

تحت وهج الشمس الصباحية، حيث تتعاقب طوابير الشباب أمام مراكز التجنيد، تتصارع مشاعر متناقضة: حماسة بادية على وجوه البعض، وملامح تردد تسكن وجوه آخرين. منذ أن أعاد المغرب العمل بنظام التجنيد الإجباري عام 2018، تحول هذا القرار إلى قضية سجالية، تتقاطع فيها الآراء بين من يراه ضرورة لتعزيز روح الوطنية والانضباط، ومن يعتبره عبئًا إضافيًا على كاهل شباب يعاني أصلًا من أزمات معيشية وتعليمية.
لكن لنواجه الحقيقة دون رتوش: في بلد ترتفع فيه نسبة البطالة بين الشباب إلى أكثر من 20%، حيث تتراكم شهادات التخرج في الأدراج، ويتحول الحلم بالعمل إلى كابوس مستمر، هل يمكن للتجنيد أن يكون طوق نجاة أم مجرد استراحة إجبارية من مطاردة السراب؟
الدولة تروّج للتجنيد بصفته مدرسة للانضباط والمسؤولية، وتمنح المجندين تعويضات مالية تتراوح بين 1050 و2000 درهم شهريًا. لكن ما جدوى هذه التعويضات في زمن ترتفع فيه تكاليف المعيشة إلى عنان السماء؟ ما قيمة بضع مئات من الدراهم لشاب يعيل أسرة، أو لآخر يحاول توفير مصاريف دراسته الجامعية؟
أما عن التدريب المهني الذي يُروّج له كإحدى مكاسب التجنيد، فكثيرون يشكون من ضحالته. تدريب أقرب إلى إجراءات شكلية، بلا تأهيل حقيقي، ولا مهارات تنافسية تضمن لهم موقعًا في سوق عمل يزداد ضراوة يومًا بعد يوم.
لكن رغم هذه التحفظات، لا يمكننا إغفال الجانب المضيء للتجنيد: فهو يفتح أمام الشباب بابًا نحو تجربة مختلفة، تجربة تعلمهم الصبر، الانضباط، والعمل الجماعي. إنه امتحان عملي للقدرة على تحمل المسؤولية، بعيدًا عن رفاهية المنزل وظلال الأهل.
التجنيد، إذا تم تطويره بذكاء، يمكن أن يكون مساحة لتكوين جيل أقوى. يمكن أن يتحول إلى فرصة لصقل المهارات الحياتية، لإعداد شباب قادر على مواجهة تحديات الحياة، وليس مجرد حشدهم في ثكنات وتلقينهم أوامر عسكرية.
لكن هذه الرؤية لا تتحقق بالأماني، بل بتغيير جذري في سياسة التجنيد: تدريب مهني حقيقي بشهادات معترف بها، تعويضات مالية تليق بتضحيات الشباب، برامج دعم نفسي واجتماعي، وخيارات بديلة لمن لا يناسبهم النظام العسكري، كخدمة مدنية أو تطوعية.
التجنيد ليس عدوًا للشباب، لكنه قد يصبح كذلك إذا تعاملت معه الدولة كالتزام أحادي، دون أن تراعي واقع جيل يواجه عالما معقدًا. بين الواجب الوطني وحق الشباب في بناء مستقبلهم، يقف التجنيد كميزان حساس يحتاج إلى الكثير من الحكمة لضبط كفتيه.