الأمازيغية بين النصوص والتطبيق.. هل يتحول الطابع الرسمي إلى واقع ملموس؟

الأمازيغية بين النصوص والتطبيق.. هل يتحول الطابع الرسمي إلى واقع ملموس؟
بقلم : معاذ فاروق

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها المشهد اللغوي والثقافي بالمغرب، عاد ملف الأمازيغية ليطرح نفسه بقوة على طاولة النقاش العمومي، وسط دعوات متزايدة لتفعيل طابعها الرسمي، وفق ما ينص عليه الدستور، وتنزيل مقتضياته على أرض الواقع بشكل ملموس. ورغم الخطوات التي قُطعت في هذا المسار، لا يزال كثيرون يرون أن التحديات المطروحة تقتضي إرادة سياسية حقيقية، وبرامج عملية قادرة على تجاوز العقبات التي تحول دون تحقيق الإدماج الفعلي للغة الأمازيغية في مختلف المجالات الحيوية.ولا يمكن الحديث عن هذا الموضوع دون التوقف عند مسألة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي عُلّقت عليه آمال كبيرة في بلورة سياسات متقدمة للنهوض باللغتين الرسميتين للمملكة، وضمان التوازن اللغوي بشكل يعكس التعدد الثقافي للمجتمع المغربي. لكن، وعلى الرغم من المكانة التي منحه إياها الدستور، لا يزال هذا المجلس معطلاً، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى الجدية في التعاطي مع الملف اللغوي بوصفه رافعة أساسية للتنمية الثقافية والاجتماعية.وفي قطاع التعليم، ورغم الجهود المبذولة، تظل نسبة المؤسسات التي تدرّس الأمازيغية محدودة، إذ لا تتجاوز 17 في المائة، مع تفاوت واضح بين المؤسسات المستقلة والفرعية. هذا البطء في الإدماج يعكس إشكالات أعمق، لعل أبرزها النقص الحاد في الموارد البشرية المؤهلة، وغياب استراتيجية واضحة لتكوين الأساتذة، ما يجعل تعميم تدريس الأمازيغية رهانًا لم يتحقق بعد. وفي ظل هذا الوضع، يتواصل النقاش حول قدرة المنظومة التربوية على تجاوز هذه العقبات، وضمان حضور الأمازيغية في مختلف الأسلاك التعليمية، بما ينسجم مع مقتضيات القانون التنظيمي الذي يفترض أن يضع حدًا لهذا التفاوت.ولا يقتصر الأمر على التعليم، إذ يبرز المجال الإداري والقضائي كواحد من أبرز القطاعات التي لا تزال تعاني من غياب آليات واضحة لضمان حقوق المواطنين الناطقين بالأمازيغية. فعلى الرغم من المبادرات الهادفة إلى توفير الترجمة داخل المحاكم والإدارات العمومية، إلا أن ذلك يظل غير كافٍ أمام حجم الحاجة الفعلية لهذه الخدمة. وفي كثير من الحالات، يجد المواطنون الناطقون بالأمازيغية أنفسهم في وضع غير متكافئ داخل المؤسسات الرسمية، وهو ما يطرح تحديًا كبيرًا يستدعي إصلاحات عميقة، ليس فقط على مستوى توفير الترجمة، بل أيضًا من خلال تعزيز الكفاءات اللغوية للموظفين الذين يتعاملون مع المواطنين بشكل يومي.وفي المشهد الإعلامي، ورغم أن الإطار القانوني ينص على تخصيص 30 في المائة من البث للبرامج الناطقة بالأمازيغية في وسائل الإعلام العمومية، إلا أن الواقع يكشف عن فجوة بين هذه النسبة وما يتم تطبيقه فعليًا. وإذا كانت القناة الأمازيغية والإذاعة المتخصصة تمثلان مكسبًا مهمًا، فإن ذلك لا يعني أن باقي القنوات يمكنها تجاهل هذا المكون اللغوي، بل المطلوب هو إدماج الأمازيغية في مختلف المنابر الإعلامية، حتى تعكس فعليًا التعدد اللغوي للمغرب.وما يضاعف من تعقيد هذا الوضع أن التعامل مع المكون الثقافي الأمازيغي لا يزال محكومًا بمنطق الاحتفالية والمناسباتية، بدل أن يكون جزءًا من استراتيجية مؤسساتية واضحة تهدف إلى تأصيله وترسيخه. وبينما يشير كثيرون إلى أهمية تنظيم تظاهرات فنية وثقافية تعرف بالموروث الأمازيغي، فإن ذلك يظل غير كافٍ ما لم يكن مصحوبًا بسياسات ثقافية متكاملة تشمل إدماج هذا التراث في المناهج الدراسية، وتحفيز الإبداع الأمازيغي في مختلف المجالات، من الأدب إلى السينما، مرورًا بالمسرح والموسيقى والفن التشكيلي.وإذا كان هذا النقاش يعكس حجم التحديات التي لا تزال تعترض المسار، فإنه يسلط الضوء في الوقت نفسه على ضرورة التعاطي مع القضية بجدية أكبر، بعيدًا عن المقاربة الرمزية التي لا تترجم إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع. ولا شك أن تجاوز هذه الإشكالات يقتضي انخراطًا جماعيًا، لا يقتصر على الحكومة وحدها، بل يشمل أيضًا المجتمع المدني، والهيئات الثقافية، والمؤسسات التعليمية، وكافة الفاعلين المعنيين. فتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ليس مجرد التزام قانوني، بل هو جزء من مشروع حضاري متكامل، يهدف إلى تحقيق العدالة اللغوية والثقافية، وتعزيز الانسجام بين مكونات الهوية الوطنية، وفق رؤية تجعل من التنوع اللغوي والثقافي مصدر قوة وإثراء للمجتمع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *