افتتاحية مجلة 24 : (تخت) الكلام في يخت فلان
وفي ذلك الزمان، شاعت بين الناس لعبة، بها يتحدثون ويصورون ويتلصصون على بعضهم البعض. صغيرة الحجم، رطبة الملمس وشاشتها شفافة تلتقط ما تلتقطه عين البشر، ولها ذاكرة.
وحين يمتلكها الأشرار، يعملون بها عمل البعوض، يلدغون ولا يتورعون في التسلل بها لحياة الناس وينقضون بها العهود ويهتكون بها أسرار التستر.
صارت حرفة عند ضعفاء النفوس. يروجون بها على أعراض الناس، لا يفرقون في ذلك بين الأفراح والمآتم ومنهم من يتباهى بالتعاليق الخاوية ويتبعه آخرون إلى الهاوية.
كنا قبل هذا الزمان، منا مناضل ومخبر.. الأسود أسود والأبيض أبيض. وليس بين الناس متطرف أعور. ولم يكن بيننا النمامون وعاشقو أكل السحت.. فأتى علينا زمان آخر، كثر فيه أهل النصح الخبيث، يبيحون ويحرمون ويفتون حتى في الأفراح إن لم تكن على هواهم المستورد من مشايخ، ينفضون عنهم غبارا ويسوقون منهم أخبارا، ليفسدوا طباع الناس الذين حين يفرحون، يرقصون ويضحكون ولا يبالون إن كانت أجسادهم تتراقص غبطة ونشوة ولا يكفرون بنعم الله في دنياهم.
لكن أقبح الناس، إذا ما مر بفرح نكد على أهله وإذا مر بمآتم تشفى في ناسه. وهم رهط، يأتي بهم الزمان كلما ساءت القيم الإنسانية الرفيعة وكثر اللغو وصار المفتي يعيش بوجوه متعددة، يشيطن حياة البشر، طمعا في الاستحواذ على غنائم العيش وفي نفسه مرض، لا يحب لخلق الله التنعم والتطيب بنعم التي لا تعد ولا تحصى.