افتتاحية مجلة 24..الانتظار المخيف
أن يهاجم شباب أفراد الشرطة والقوات المساعدة، حدث في منتهى الخطورة ويعكس الحاجة إلى تحليل هذا العنف والطيش.
لكن كذا حدث نعتبره التجلي المباشر، لحالة الانتظار التي يعيشها المجتمع المغربي في هذه الظروف بالذات، حيث القوى السياسية تبدو أنها غير معنية بأوضاع المغاربة ومعيشهم اليومي، وغير قادرة على تقديم مشروع مجتمعي لما بعد جائحة كوفيد 19. وعاجزة على التعاطي مع الأوضاع الصعبة للبلاد.
اليسار الذي يقدم نفسه بديلا، عن تجربة القوى اليمينية المحافظة، ويدعو إلى مجتمع الحداثة والعقلانية، بحكم انتمائه إلى التراث الإنساني المدافع عن قيم العدالة الاجتماعية والتحرر الفكري والتقدم الاجتماعي، هو الآخر يعيش بمختلف تشكيلاته انكماشا ضمن بنياته التنظيمية ولا يتفاعل مع الحركات الاجتماعية وانشغالات المواطنين بالتواجد اليومي في صلب هذه الحركات معها ومن أجلها لاحتواء الانزلاقات التي قد تستغلها بعض الاتجاهات غير المؤمنة بالديمقراطية ونجاعتها في خلق الوعي والارتقاء به للمساهمة في بناء الوطن.
اليسار يكتفي بترديد مقولات تحكم المخزن في حركة المجتمع وفي اللعبة السياسية وبالتالي يتملص من ايمانه أن المجتمع المغربي وفي مستوى درجة نضج أوضاعه الوطنية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تأتي الغلبة والتسلط للقوى المهيمنة على الرأسمال وعلى المقدرات الوطنية. وهذه الأوضاع لازالت تؤكد الحاجة إلى المزيد من النضال الديمقراطي وتعبئة الطاقات والامكانيات من أجل إنجاز تطلعات ثورة وطنية ديمقراطية، تؤمن بمكاسبها السياسية للناس مشاركة أوسع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الشروط الموضوعية متوافرة، لهذا الاتجاه، وحجم النضالات العمالية وطبيعة مطالبها يعكس هذا النمو المتزايد للاحتجاج على التفاوتات المجتمعية، لكنه في أمس الحاجة إلى سنده السياسي والذي لن يكون إلا مع قوى اليسار المغربي.
لكن هذا اليسار غير منسجم في تشكيلاته الطبقية، تعاطى بمواقف متعددة، فاليسار ذو الجذور الملتصقة بالبرجوازية الصغرى، سرعان ما انقلب على منظماته الموازية الشبابية والنسائية والعمالية ومثقفيه وهو الأكثر قدرة تاريخا، على التذبذب الاجتماعي والتنكر لكل الفئات التي رافقته إلى تسير الشأن العمومي؟
يسار آخر فضل فك الارتباط بنضالات الطبقة العاملة ومعاركها الاجتماعية واختار الاصطفاف مع القوى اليمينة للمشاركة في إنجاز الإصلاحات الوطنية الكبرى، والتي لم تستفد من نتائجها إلا القوى المتعارضة ومصالح الطبقة العاملة في استقرارها الاجتماعي.
اليسار الراديكالي، ظل يشكل مجموعات تحن إلى عهود الساحة الجامعية والنقاشات باسم الثورات الكونية وباسم الجماهير الشعبية ،يتواجدون في المنظمات العمالية لكن بأجندات سياسية تخدم مواقفهم ومواقعهم أكثر من وضع مصالح العمال فوق أية مزايدة ويتواجدون في طليعة الاحتجاجات بأعلامهم الحمراء ومعبودهم تشي غيفارا. لكنهم لم يحدث وأن وجدوا أنفسهم أكثر انفتاحا على التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي وتحول القيم المجتمعية.
لم يستطيعوا التغلب على معتقداتهم الثورية والتنازل عن أنا نياتهم من أجل اندماج موسع في يسار قوي يلعب أدواره الحاسمة والممكنة في تغيير ملامح الخريطة السياسية للبلاد، جنبا لجنب مع القوى العاملة والحركات الاجتماعية.
إنهم يكتفون بتفسير العالم وظواهره ولا يتجرؤون على مهامهم التاريخية في الانخراط في تغيير المجتمع الذي يتباكون عن مآسيه.