أية سياسة مغربية للحد من ظاهرة الهجرة نحو دول الاتحاد الأوربي : إسبانيا نموذجا
مقدمة :
إن التنقلات البشرية إلى ما وراء الحدود تثير مجموعة من التساؤلات حول الدواعي والأسباب الكامنة وراء هذه التنقلات كما تثار بصددها إشكاليات اختيار هذا البلد أو ذلك إلى جانب الأسئلة المثارة بشأن الإدماج أو الانصهار في البلدان المستقبلة والعلاقات التي قد تظل قائمة مع البلد الأصلي، واعتبارا لموقع المغرب الجغرافي كأقرب نقطة تصل الجنوب الإفريقي الفقير، بالشمال الأوربي الغني، وبحكم التحولات المتسارعة لظاهرة الهجرة، خاصة مع دخول الألفية الجديدة، نتيجة اشتداد الأزمات والحروب الأهلية، ووضع اللا-استقرار، خاصة في دول أفريقيا جنوب الصحراء،
بالإضافة إلى تطور وسائل وأساليب الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، بالموازاة مع تحديات الوضع الإقليمي وتحولاته، أضحى على المغرب التعامل مع معطي جديد، متعلق بما يسمى المهاجرين – اللاجئين باعتباره معبرا لهم .
وبحكم التحولات التي تعيشها بلدان الاستقبال أو بلدان الوجهة الأوربية بالأساس، خاصة بعد الأزمة العالمية الأخيرة، فإن هذه الدول ستنحو نحو التشديد من سياستها ومقاربتها في التعامل مع ظاهرة الهجرة بشكل يغلب الجوانب الأمنية ، لذلك فاستشعارا من المملكة المغربية لطبيعة التحولات والتحديات التي أصبحت ظاهرة الهجرة تطرحها خاصة في ظل المستجد المرتبط بالمهاجرين اللاجئين، انخرط في وضع أسس سياسة جديدة للهجرة، تراعي التحولات الأخيرة لهذه الظاهر
قة وما ارتبط بها من عوامل إقليمية ودولية. وفي هذا الإطار، واعتبار لكل ذلك يقتضي الأمر من الدولة المغربية التي لطالما نجحت في رفع مجموعة من التحديات، ووضع مقاربات متوازنة، وتقديم نماذج وتجارب فريدة تراعي كل الأبعاد والتوازنات والخصوصيات، أن تأخذ بعين الاعتبار في سياق التأسيس والتفعيل للمقاربة أو السياسة المرتقبة للهجرة بخصوص بالتعامل مع ظاهرة المهاجرين- اللاجئين بالأساس، محورين أساسيين لا محيد عنهما، يرتبط أولهما بواقع تعامل البلدان الأوروبية مع ظاهرة الهجرة (المطلب الأول)، في حين يتجلى ثانيهما في أسس السياسة المغربية في التعامل مع ظاهرة الهجرة (المطلب الثاني).
المطلب الأول
: أبعاد السياسة الأوروبية لمحاربة ظاهرة الهجرة
تعد ظاهرة الهجرة من أهم الظواهر التي تم توظيفها ضمن سياق الأمن خاصة غير النظامية التي هي في الحقيقة نتاجا للوضع القائم في المتوسط الذي يجمع ضفتين توجد فجوة تنموية كبيرة بينهما، مما جعل من الهجرة ضرورة حتمية وليس خيارا، خاصة وأن مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة المتوسطية، وانطلاقا من عوامل الدفع والجذب تشير
و أن استمرار الهجرة خلال السنوات القادمة مرشحة للارتفاع، كما يصعب التحكم فيها أكثر فأكثر مما يؤشر سلبا على وضعيات المهاجرين. إذ على الرغم من الاختلافات القائمة التي تعرقل تنفيذ القوانين الدولة وحماية حقوق الإنسان وحقه في التنقل والبحث عن العيش الكريم، فإن عموم البلدان الأوروبية تسعى إلى تفعيل من المزيد من القوانين التي تقيد من حرية التنقل إلى الدول الأعضاء في الاتحاد وإلى تقوية آليات عمليات المراقبة بتعاون مع دول جنوب المتوسط المعنية بقضية الهجرة خاصة المغرب منها، الذي يبدي رغبة واضحة في الانخراط في سياسة الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة، والتي تقوم على بعد أمني محض (الفقرة الأولى) ، لا يراعي بأي حال من الأحوال الجانبين الحقوقي والتنموي ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى
: البعد الأمني
تقوم الدول الأوروبية على الربط المستمر بين قضية الهجرة والقضايا الأمنية والجنائية، حيث يلاحظ أنه مازال هناك ميل عام لدى الاتحاد الأوربي إلى الربط بين الهجرة غير النظامية والجرائم الدولية كالإتجار بالبشر والإرهاب، وهو ما يعطي الانطباع بغير حق بأن الهجرة غير النظامية جريمة جنائية، شأنها شأن الجرائم الدولية المشار إليها، ففي حين أن تهريب المهاجرين يمكن أن يشكل جريمة جنائية، فإن الهجرة غير النظامية لا تشمل مثل هذه الجريمة، ولا ينبغي بالتالي الربط بينها وبين القضايا الأمنية والجنائية، كما أن التركيز على استعمال مصطلح «غير الشرعيين» في القاموس القانوني
والسياسي الأوروبي يساهم في الحديث عن الهجرة بطريقة سلبية، ويفرز أيضا الصور النمطية السلبية للمهاجرين غير النظاميين التي تعتبرهم من المجرمين، وعلاوة على ذلك تشجع هذه المصطلحات على الحديث عن الهجرة كجريمة، ويساعد ذلك بدوره على زيادة العزلة والتمييز والتهميش للمهاجرين غير النظاميين، وقد يشجع أيضا على العنف اللفظي والبدني ضدهم، والإحجام عن تقديم المساعدة لهم، حتى ولو كانوا في وضعية خطر، بسبب العقوبات الجنائية المحتملة.
هذا فضلا عن زيادة التعصب والعنصرية ضد المهاجرين غير النظاميين كتعبير عن مرض قديم ومألوف بين الأوربيين، وهو مرض «كره الأجانب» – «الآخر»، والذي من
المحتمل حسب العديد من الدوائر أن تؤدي الآثار الاجتماعية للأزمة المالية الحالية إلى تفاقمه، إذا لم يبادر الساسة ورجال الإعلام وكل من له تأثير في المجتمع الأوروبي لصياغة نموذج سياسي واجتماعي من أجل منع مثل هذه السلوكيات ، كل هذا دفع بالعديد من المهتمين بقضية الهجرة إلى التوصية بضرورة التعاطي الإيجابي مع ظاهرة التدفقات أو التفاعلات السكانية، وتجاوز «براديغم الهجرة» الذي هيمن على الرأي العام وصناع القرار الأوربيين واستبداله بـ «براديغم الحركة»، وهي المقاربة التي تنسجم مع التوجهات الحديثة للعديد من الأجهزة الأممية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي أوصى في تقريره الصادر عام 2009 بدمج الهجرة في عملية التنمية. وكذا موقف المنظمة الدولية للهجرة الذي دعا بمناسبة انعقاد «الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية» عام 2013 إلى ضرورة إحداث تحول أساسي في النظرة العامة للهجرة، والنظر إليها على أنها مشروع يحتاج إلى إدارة وليست مشكلة يجب حلها، فضلا عن ضرورة الابتعاد عن النظرة الضيقة للهجرة وعدم مقاربتها على أنها مجرد هروب من الفقر مع تأثير سلبي على المجتمعات المضيفة، والاعتراف بالدور المهم الذي يمكن للمهاجرين القيام به كشركاء في تنمية البلدان المضيفة وبلدان الأصل، والتسليم بفوائد الهجرة والنظر إليها كعامل من عوامل التنمية .
وعلى الرغم من الجهود المبذولة إلا أن لا تزال المقاربة والنهج الأمني هو الطاغي، لأنه لا يزال التركيز في إدارة قضية الهجرة غير النظامية محصورا على مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوربي والإشراف عليها، وتركيز سياسات الاتحاد الأوربي في هذا المجال على تحديد وتطوير وتمويل التدابير التي تركز على الجوانب الأمنية للهجرة غير النظامية، بما في ذلك عسكرة وتحسين مراقبة الحدود الخارجية من خلال الوسائل اللوجستية والتكنولوجية العالية، وتوظيف التكنولوجيا الرقمية الحديثة لمراقبة الحدود، كالاستعانة بالسياجات الافتراضية التي تستعمل تكنولوجيا متطورة في مجالي الحاسوب والمراقبة لتطبيق قوانين الحدود، فضلا عن الاستعانة بالأقمار الاصطناعية والرادارات الجد متطورة التي تسمح بالكشف عن كل الاختراقات غير القانونية للحدود الأوروبية على مدار الساعة وبغض النظر عن أحوال الطقس السائدة، ولقد وجهت العديد من الانتقادات لهذه الأسوار الافتراضية بسبب عدم فعاليتها وتكلفتها الإنسانية والمالية العالية، ويرى المعارضون أنه كان من الأجدى لهذه المبالغ الكبيرة من الأموال المستثمرة في بناء الأسوار المادية أو الافتراضية بين الأمم لمنع تدفقات المهاجرين غير النظاميين، أن تنفق على دعم التنمية في بلدان المنشأ ومعالجة الجذور العميقة لظاهرة الهجرة غير النظامية، كما عملت أوربا على بناء القدرات في بلدان ثالثة، من خلال اتفاقيات وشراكات ثنائية، وذلك في إطار ما عرف بـ «إخراج مراقبة الحدود خارج محيط
الاتحاد الأوربي»، وتجريم الهجرة غير النظامية من خلال القوانين التنظيمية والبرامج العملية، بما في ذلك تشجيع احتجاز المهاجرين غير النظامين داخل وخارج أراضي الاتحاد الأوربي، وتمويل مراكز الاحتجاز في بلدان الاتحاد الأوربي وبلدان العبور، كما أن استمرار التركيز على النهج الأمني يفسر إلى حد كبير استمرار رفض دول الاتحاد الأوربي التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990 والتي دخلت حيز التنفيذ في سنة 2003 بينما وقعتها العديد من البلدان المتوسطية الأخرى.
الفقرة الثانية
: البعد الحقوقي
تتميز السياسة الأوروبية لمحاربة ظاهرة الهجرة بغياب النهج القائم على الحقوق، لأنه لا توجد هناك آلية مستقلة للرقابة يمكن تطبيقها بسهولة من أجل ضمان امتثال كافة البرامج والمؤسسات الأوربية المعنية بالهجرة امتثالا كاملا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك على الرغم من وجود بعض الآليات التي قد تتدخل لضمان امتثال الممارسة الأوربية في هذا المجال لقوانين حقوق الإنسان، كوكالة الاتحاد الأوربي للحقوق الأساسية ومحكمة العدل الأوربية، إلا أن ما يلاحظ على عمل هاتين الآليتين هو أن الأولى دورها استشاري فقط ينحصر في توفير مشورة الخبراء في مجال حقوق الإنسان إلى الاتحاد الأوربي، في حين أن الآلية الثانية – محكمة العدل الأوربية، وإن كانت تضطلع بدور هام
في مجال تحديد السياسات المتعارضة مع المعايير الدنيا لحقوق الإنسان، إلا أن عملها بطيء وطويل الأمد، أضف إلى هذا أنه لا توجد رقابة أو تقييم منتظم لمدى انسجام سياسات دول الاتحاد الأوربي منفردة أو السلطات الوطنية المكلفة بتنفيذ قانون الاتحاد الأوربي بخصوص الهجرة مع هذه المعايير والقواعد الإنسانية. غبر أن الملاحظ هو أن هناك غياب واضح لنهج قائم على الحقوق في إدارة قضية الهجرة غير النظامية من طرف أوروبا، بحيث أن هذه الإدارة لم تنجح في تكريس الاهتمام الكافي بحماية حقوق هؤلاء المهاجرين، وعليه فإن الاتحاد الأوربي الذي تمتلك العديد من دولة تقاليد قانونية محلية فريدة توفر حماية قوية لحقوق الإنسان للمهاجرين النظاميين على مستوى حرية الانتقال والإقامة وظروف العمل لا تقل عن حقوق مواطني الاتحاد الأوربي، لكن في مجال سياسات الهجرة غير النظامية غالبا ما تطغى جداول الأعمال الأمنية وتتفوق على حقوق الإنسان الأساسية ومعايير سيادة القانون.
لقد أدخل الاتحاد الأوربي في العقود الأخيرة قضية الديمقراطية واعتبارات حقوق الإنسان في نسيج علاقاته مع الخارج، بحيث باتت الاتفاقيات الأوربية التجارية وغير التجارية، والمساعدات التقنية والتنموية، والحوارات السياسية، وغيرها من الأدوات مشروطة باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وعليه، إذا أقدم بلد على مخالفة تلك المبادئ فإن المفاوضات معه بشأن اتفاقية معينة أو إبرامها يجري تعليقها.
غير أن سياسة الاتحاد الأوربي الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان تعيش حاليا تخبطا واضحا، بحيث لم تعد أوربا تمتلك الجرأة السياسية اللازمة لتطبيق ما يعرف بـ شريطة «الديمقراطية» و«بند حقوق الإنسان» المنصوص عليهما في العديد من اتفاقيات الشراكة
والجوار، إذ يلاحظ أن العديد من بلدان الشراكة الأوربية تعامل بأساليب مختلفة على الرغم من أن سجلاتها على صعيد حقوق الإنسان والديمقراطية متماثلة ومتشابهة، فعادة ما يتم تفعيل هذا الاشتراط السياسي» تجاه الدول الفقيرة والهامشية وذات الأهمية الضئيلة بنظر الاتحاد الأوربي أو إحدى الدول الأعضاء فيه، بينما تعفى منه الدول الأخرى المهمة، باستثناء بعض التوجيهات والبيانات والاكتفاء بالتعبير عن القلق إزاء التطورات غير الديمقراطية في هذه الدول دون المبادرة إلى اتخاذ تدابير عقابية ضدها. ولقد تعزز هذا التخبط والتناقض أكثر في السنوات الأخيرة التي شهدت تراجعا نسبيا في الدعم الأوربي لقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقاته الخارجية، وذلك بفعل ظهور متغيرات جديدة في البيئة الدولية خلال العقد الماضي، ومنها الأزمة الاقتصادية العالمية التي عززت من هذا التراجع ودفعت بالاتحاد الأوربي إلى الاهتمام أكثر بأوضاعه الداخلية. كل ذلك يفسر إلى حد كبير سبب تفضيل الاتحاد الأوربي لمبدأ «دعم الاستقرار» على مبدأ «إرساء الديمقراطية»، وهو ما ساهم في بقاء سقف الحريات والحقوق منخفضا في العديد من دول المنطقة تحت مرأى ومسمع الدول الأوربية ذاتها .
المطلب الثاني
: إستراتيجية تعامل المغرب مع ظاهرة الهجرة
لعقود من الزمن كان المهاجرون يتدفقون من المغرب في اتجاه واحد نحو أوروبا، لكن الوضع تغير حاليا وصار عدد المغاربة المهاجرون من بلدهم ينخفض، في حين يرتفع عدد المهاجرين إلى المغرب، فقد أصبح مقصد الأفارقة والعرب (كالمصريين مثلا)
والأسيويين (كالصينيين مثلا ) بشكل خاص، بل وحتى الأوروبيين والأتراك، ومن العوامل المسببة لتفعيل نظام الهجرة حول العالم عامل الفقر الذي ينتج عنه عدم إعالة الفرد لأسرته، إضافة لنشوب الصراعات المحلية وغياب الأمن، كلها دوافع شخصية تدفع الناس إلى الهجرة، بحثا عن العمل، أو التماسا للحماية عبر اللجوء في بلد ومكان آخر، وكلها أسباب تتأرجح وتدور في مجملها بين واقع وظروف دولة مصدر المهجر نفسه وبجانبها ، فللهجرة علاقة مباشرة بالخارج، بسبب سياسات جاذبة للمهاجرين، لذلك تنهج المملكة المغربية سياسة تراعي في أساسها الأبعاد ذات طبيعة قانونية وسياسية وحقوقية ( الفقرة الأولى)، والتي تجعل من المغرب شريكا رئيسيا في التصدي لظاهرة الهجرة على الصعيدين الدولي والإقليمي ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى
: أبعاد سياسة المغرب في التصدي لظاهرة الهجرة
مما لاشك فيه أن الموقع الجيو-استراتجي للمغرب قد جعله نقطة انطلاق والتقاء ومحور عبور بالنسبة للمهاجرين القادمين من دول الجنوب، وهو ما جعله في وضعية لا يحسد عليها بالنظر لالتزاماته الدولية بناء على الاتفاقيات والعهود التي صادق عليها.
ذلك أن زيادة حجم الهجرة إلى أوربا عبر بلدان المغرب العربي قد تؤدي إلى تحول هذه المنطقة إلى بلدان استقرار للمهاجرين الأفارقة كما أن التعاون المغاربي الأوربي لم يؤد إلى نتائج فعالة لإيقاف الهجرة غير الشرعية حتى الآن. وبالنظر لكون ظاهرة الهجرة
غير القانونية وتهريب الأشخاص أخدت أبعادا متعددة، فإن الحاجة أضحت جد ملحة لتدخل السلطات العمومية لوضع سياسات تتلاءم والوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بتنسيق مع الجمعيات المهتمة والمتخصصين في هذه الظاهرة مع إشراك جمعيات الجالية المغربية بالخارج اعتبارا للتراكمات والتجارب المعاشة إلى جانب التنسيق مع الدول المجاورة في إطار التعاون الدولي تحت إشراف المنظمات الدولية المهتمة بظاهرة الهجرة وحقوق الإنسان، لذلك يمكن القول بأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست مسألة ظرفية، بل مكونا هيكليا مازالت السياسات والآليات المستخدمة إلى حد الآن غير قادرة على تدبيره بشكل يحد من أثاره وانعكاساته السلبية سواء على بلدان المصدر والمنبع أو البلدان المستقبلة لهذه الهجرة .
إن دراسة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وفق رؤية استشرافية وشاملة تتطلب البحث في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية؛ وإشراك المهاجرين في البرامج الاجتماعية الموجهة لصالحهم؛ والسماح للمهاجرين بتكوين جمعيات تتولى الدفاع عن مصالحهم، واعتماد مقاربة تشاركية بين جمعيات المهاجرين وجمعيات المجتمع المدني في وضع وصياغة البرامج والمشاريع ذات الطابع الإنساني المعدة لفائدتهم. وانخراط الجمعيات المحلية
في المساعدة والحماية للمهاجرين بغض النظر عن وضعهم القانوني، وفي سياق التعامل الإيجابي مع الظاهرة، يجب التأكيد على ضرورة تفعيل عمل مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية من خلال تقوية تدخل مصالحها اللاممركزة على مستوى العمالات والأقاليم في إطار سياسة القرب وتقوية قدرات العاملين في هذا الحقل للتعامل مع ظاهرة الهجرة بما تتطلبه من حزم ومسؤولية، هذا إلى جانب إحداث مراصد جهوية للهجرة تأخذ على عاتقها وضع الاستراتيجيات العمومية حسب ظروف وخصوصيات كل جهة على حدة والتي يمكن أن تشكل إطارا لرصد ومراقبة التدفقات الهجروية بمختلف الجهات وآلية للتعامل عن قرب مع الظاهرة. كما تؤكد على ضرورة الإسراع بتفعيل المتعلقة بإحداث اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج من أجل تحقيق الالتقائية بين السياسات العمومية الكفيلة بالنهوض بأوضاع الجالية المغربية بالخارج والمساهمة في بلورة وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية في مجال الهجرة، هذا على أساس أن تتولى الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة إعداد السياسة الحكومية في مجال الهجرة والمساهمة في إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية الكفيلة باحترام حقوق وواجبات المهاجرين واللاجئين وأفراد عائلاتهم وإقرار الظروف الموضوعية لمعالجة كافة الجوانب التي تهم تدبير ملف الهجرة واللاجئين.
ويتضح أن المملكة المغربية قد قطعت على نفسها العزم لتطوير مقاربتها في التعامل مع ظاهرة الهجرة بشكل يضمن حماية المصالح العليا للبلاد في تناسق مع القوانين الدولية التي تكفل حماية المهاجرين ومعاملتهم باحترام ووفقا للقانون، وقد استطاع المغرب من خلال الإصلاحات التي تم اتخاذها في مختلف الميادين أن يتبوأ المكانة المحترمة لدى الدول خصوصا بعد التوجيهات الملكية التي أعلن فيها جلالة الملك عن عدة تدابير تروم حماية حقوق المهاجرين ووضع التشريعات الكفيلة بتجاوز الاختلالات والنواقص التي تعتري القوانين الحالية، وفي هذا تعبير واضح على التزام المغرب بمواصلة جهوده الرامية إلى تمتيع المهاجرين بكافة حقوقهم. لذلك، فإن وجب التنويه بالتدابير التشريعية والسياسية التي اعتمدتها المملكة، لاسيما إقرار دستور 2011 الذي
أكد على سمو ومكانة الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على القانون المحلي، وإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والقطاع الوزاري المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ومجلس الجالية المغربية بالخارج، فضلا عن مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج من شأنها تعزيز دور ومكانة المغرب كراع لحقوق العمال المهاجرين خصوصا إذا تم التنسيق بين هذه الأجهزة وإدماج بعضها ضمن اللجنة الوزارية المشار إليها آنفا اعتبارا لدور بعضها وتخصصه في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. كما وجب التأكيد على أهمية الإجراءات التي تعزز مكانة المغرب في مجال حماية حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المهاجرين بصفة خاصة في أفق بلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة واللجوء خاصة على مستوى كل من وضعية مهاجري جنوب الصحراء والضمانات القانونية الممنوحة للأجانب.
الفقرة الثانية
: المغرب شريك دولي وإقليمي في التصدي لظاهرة الهجرة
اعتبارا لكون الهجرة ظاهرة تكتسي بعد دوليا بالدرجة الأولى، قبل أن تمثل إشكالا وظاهرة إقليمية أو ثنائية بينية، خاصة مع دخول الألفية الجديدة، وكما هو معلوم يشكل الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، مناسبة لعقد اجتماعات رفيعة المستوى تمثل فيها دول العالم قصد تدارس الإشكاليات الدولية الملحة والتي تشكل موضوع الساعة، خاصة بحكم التحولات النوعية التي قد تطرأ عليها، ما يجعل من إشكالية الهجرة من بين أهم المواضيع التي خصص لها اجتماع على هامش الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة، حول موضوع: «الهجرة الدولية والتنمية: كفالة نجاح العملية». ومن أهم وأكبر دلالات هذا
المعطى أنه يتوجب على المغرب باعتباره من الدول المحورية التي يؤهلها وضعها الإقليمي والدولي لتكون معنيا أساسيا بهذه الظاهرة من حيث أضرارها ومن حيث مناشدة الحلول والمعالجة، لذلك فكل حضور أو دور للمغرب في هذا الإطار ينبغي أن يقوم ويراعي أن المملكة المغربية هي قوة أساسية في تسطير المبادرات، كما أنها ليس دركيا لأوروبا بل شريك متقدم مع ضرورة معالجة إشكاليات الهجرة كظاهرة متعددة التجليات لا تقبل التجزيء.
وإذا كان المغرب قوة أساسية في تسطير المبادرات، فإن هناك مجموعة من العوامل والاعتبارات الجغرافية، والتاريخية، وعامل التجربة… إلخ تتضافر لتجعل من المغرب
بلدا محوريا ومعنيا أساسي بظاهرة الهجرة، خاصة في صورتها المرتبطة بما يسمى المهاجرين – اللاجئين. أي أن هناك العديد من العوامل التي تشهد بدون شك إلى دخول المغرب في خانة الدول المعنية بعولمة التنقلات البشرية، وتجعله بالمقابل فاعلا أساسيا في تسطير وتفعيل المبادرات والسياسات الدولية والإقليمية للهجرة. لذلك، فإن أي دور للمغرب في هذا الإطار ينبغي أن لا يخرج ولا يحيد عن هذا المعطى وهذا المبدأ.
ونسجل أيضا في هذا الصدد المبادرة المهمة التي تصب في هذا الاتجاه، التي أقدم عليها المغرب على هامش الاجتماع المخصص للهجرة الدولية والتنمية « الهجرة الدولية
والتنمية: كفالة نجاح العملية» المشار إليه أعلاه، التي دعا المغرب من خلالها إلى إقامة تحالف أفريقي للهجرة والتنمية بهدف تعميق رؤية إفريقية مشتركة حول الهجرة، وهي المبادرة التي يجب أن تقوم على منظور إفريقي مشترك، وعلى مبادئ إنسانية لقضايا الهجرة، وعلى المسؤولية المشتركة بين دول المصدر والعبور والاستقبال، وكذا على الترابط الوثيق بين الهجرة والتنمية، وهو أيضا التوجه والمبدأ الذي على المغرب تكريسه إعلاميا ومن خلال كل الاجتماعات التي تعتقد في هذا الصدد بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، بما يكفل تعزيز عنصر الثقة كشريك موثوق ذو رأي مسموع.
بناء على المعطيات المشار إليها أعلاه، فإن المملكة المغربية ليس دركيا لأوروبا بل شريك متقدم، لكون فإن السياسة الجديدة للهجرة يجب أن تنطلق من كون معالجة هذه الظاهرة لن تتم ولن ينخرط فيها المغرب بفاعلية إلا إذا تم ذلك في إطار شراكة متعددة الأقطاب (إفريقيا – المغرب – أوربا) يلعب فيها المغرب دورا محوريا رائدا
باعتباره المعني الأساسي بجعل آثارها وباعتباره مصدرا ومحطة ومعبرا، لذلك، فإن أي دور للمغرب في هذا الإطار لا يتوخى إقرار وتفعيل البعد التشاركي في علاقته بمختلف المتدخلين بعد مرفوضا من قبل كل الفئات الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى، فإن معالجة ظاهرة الهجرة لا تقبل التجزئة، لأن من أهم وأكبر دلالات هذا المعطى، أنه لا يجب على المغرب، باعتباره بلدا محوريا معنيا بظاهرة الهجرة في كل أبعادها، الانجرار وراء رغبة دول الاتحاد الأوربي خاصة الجارة الاسباني إلى توقيع أو تفعيل لاتفاقيات جماعية أو ثنائية بكيفية انتقائية في التعامل مع آثار هذه الظاهرة، وبما يخدم الأهداف والمصالح الأحادية للطرف الآخر أو الضفة الأخرى. بل إن معالجة ظاهرة الهجرة ينبغي أن يقوم على أساس شمولي في طرح إشكالاتها وآثارها، شمولي في تصور الحلول، شمولي في تسخير الإمكانات وتفعيل الآليات، سواء باعتبار الإشكاليات التي يفرضها على الضفة الأوربية كمحطة النهائية للهجرة، أو بالنظر لحجم وطبيعة التحديات المتنوعة التي تطرحها بالنسبة للمغرب، بحكم الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة بالنسبة له، كمصدر لها من خلال الجالية المهمة بأوروبا، وكذا باعتباره بوابة نحو هذه الأخيرة، ومحطة انتظار لكثير من المهاجرين لمعانقة الحلم الأوربي، وبذلك فإن أية مبادرة في هذا الصدد، يجب أن تتوخى وتراعي معالجة كل أبعاد ظاهرة الهجرة في سلبياتها وإيجابياتها.
خاتمة :
ما من شك أنه قد كان للسياسات المتشددة في مجال الهجرة ببلدان شمال المتوسط تبعات مباشرة على البلدان الواقعة جنوب الضفة مثل بلدان شمال إفريقيا، إذ بعد الانتقاد الشديد والضغوطات الأوروبية المتواصلة عليها لوقف الهجرة غير القانونية التي تتم عبر حدودها وأراضيها، انخرطت دول المغرب العربي في اتفاقيات أمنية ثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي، وسارعت إلى سن تشريعات وضوابط قانونية، تهدف مجملها إلى محاولة بسط رقابتها على هذه الظاهرة، وذلك كرافد من روافد تجسيد سيادتها على إقليمها وعلى كل من يقيم فوقه من المواطنين أو الأجانب، هذا وقد وقع المغرب في شراك هذه السياسة الأمنية من خلال توقيعه اتفاقيات إعادة قبول وترحيل المهاجرين مع عدد من الدول الأوروبية من جهة، ومن خلال سن قانون جديد سنة 2003 تحكم في وضعه الهاجس الأمني، مما فوت عليه الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والثقافية والإنسانية للمهاجرين أو للمقيمين الأجانب.
إن موقع المغرب القريب من أوروبا ساهم أيضا في تسهيل عملية انتقال مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء إلى الضفة الشمالية للمتوسط، وبحكم التحولات المتسارعة لظاهرة الهجرة، والأوضاع التي تعرفها بعض الدول الإفريقية، يضطر عدد من مواطنيها إلى الهجرة نحو المغرب إما شرعية أو غير شرعية. وقد أدى هذا الواقع الجديد إلى تغيير طال وصف المغرب، حيث كان يشكل في السابق محطة عبور إلى أوروبا، قبل أن يتحول في الوقت الراهن إلى بلد استقرار وإقامة. وفي ظل هذه التحولات التاريخية غير المسبوقة، وجد المغرب نفسه في مواجهة تحديات خارجية مرتبطة بتدبير علاقاته مع دول الجوار من إفريقيا جنوب الصحراء، ومع المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية المتابعة لموضوع الهجرة واللجوء، ونهج أحسن الخيارات لمعالجة القضايا ذات الأبعاد المتعددة والخيوط المتداخلة التي تتفرع عنها. وفي الوقت الذي اختارت في بلدان أخرى أن تبقي قضية الهجرة رهينة لمقاربة أمنية صرفة، اختارت التجربة المغربية الانتقال من مقاربة تجرم الهجرة إلى اعتماد مقاربة جديدة تحترم الالتزامات الدولية للمغرب وارتعي حقوق المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.