ما هكذا تورد الإبل

ما هكذا تورد الإبل
عبد العزيز شبراط

تابعت باهتمام بالغ البث المباشر لوقائع مجلس المستشارين عشية يوم الثلاثاء13 اكتوبر ،والذي قدم فيه السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي عرضا مطولا حول الدخول المدرسي لهذا الموسم؛حيث كان يتحدث بحماس كبير و يقدم ما حاط بهذا الدخول المدرسي من سلبيات وايجابيات جراء كابوس الوباء الذي خيم عليه، ذكر الكثير من النجاحات ( من وجهة نظره) التي رافقت هذا الدخول المدرسي،لكنه مع الاسف لم يتحدث ولو باقتضاب عن تكلفة هذا الدخول المدرسي، كما لم يشر الى تبعات ذلك على هذا الجيل بكامله والذي سيظل يرافقه الى بعد حين؛ كان على السيد الوزير والسادة ممثلي الامة الذين كانوا ينصتون اليه و يشاركونه النقاش؛ أن يدركوا جيدا أن الأمر هنا لا يتعلق بولوج التلاميذ حجرات الدرس وقط؛ بل الأمر أكبر من ذلك:
البرنامج ظل ثابتًا فيما التلاميذ لا يتلقون حصتهم الزمنية كاملة خلال الاسبوع؛إذن من سيقيم لنا تكلفة التحصيل المعارفي والبيداغوجي جراء ذلك؟ وما ذنب الأسر في هذا العطب ان جاز لنا تسميته هكذا؟
أشار السيد الوزير في معرض حديثه الى التعليم عن بعد؛بينما بلادنا ليست لها البنيات التحتية للتعليم عن بعد؛ ولم تمارسه؛ لا اثناء الجائحة ولا بعدها أو قبلها؛ وما لجأت اليه بلادنا اثناء الجائحة كرها؛ لا يعدو أن يكون تعليما بدردشة فورية بالنسبة للتعليم الابتدائي و الثانوي بسلكيه؛وهذه الاداة غير نافعة في التعليم؛قد تكون مفيدة للكبار في بعض المجالات ولكن ليس في التعليم الابتدائي والثانوي بسلكيه؛ كما تم اللجوء الى تقنية ( video conference ) بالنسبة للتعليم الجامعي؛اذا لم يكن التعليم تفاعليا؛ وعليه فلن ننتظر منه فائدة؛ فالتعليم عن بعد يتطلب اموالا ضخمة؛من تجهيز لجميع حجرات الدرس بسبورات تفاعلية وربط بالانترنت عالي الصبيب؛ الى جانب بنك من الموارد الرقمية متوفر لكل المؤسسات ولكل المواد التعليمية؛دون الحديث عن التكوين اللازم بالنسبة لاطر الادارة التربوية وكذا أطر التدريس ؛كما التلاميذ يفترض ان يكونوا مزودين بلوحات اليكترونية ذات سعات تخزينية مقبولة؛ حتى لا يضطروا الى محو المعلومات من أجل مواصلة التعلم؛أو حواسب ايضا بسعات تخزينية مقبولة؛ كما يستلزم ان تكون لهذه الادوات سعة الذاكرة العشوائية مقبولة أيضا؛ كي لا يتوقف تلقي أو بعث البيانات من حين لاخر فيحدث العائق بين الاستاذ والتلميذ؛ و تختل العملية التعلمية التعليمية؛بلادنا ليست مستعدة لهذا التعليم وليس لها الامكانات ولا الامكانيات لذلك؛لذا لا يجب تغليط الناس حول مفهوم التعليم عن بعد! ولقد استطاعت كندا السير بعيدا في هذا التعليم بما تمنحه التكنولوجيا الرقمية من امكانات عبر الاقمار الاصطناعية سواء داخل البلاد أوخارجها وذلك بشكل تفاعلي بين الاساتذة والمتعلمين بالنسبة للتعليم أو بالنسبة للمدربين والمتدربين في مجالات واسعة للكبار.
لم يشر السيد الوزير أيضا الى قيمة التكلفة التي ستتكبدها البلاد جراء الزمن المدرسي التعليمي الذي ضاع وسيضيع مادام الوباء يعيش بيننا.

من جانب أخر لم تأت تدخلات السيدات والسادة النواب سواء من جانب الاغلبية أو المعارضة بجديد في هذا الموضوع؛بقدر ما اكتفوا كلهم بالمدح والشكر أو بالمعارضة بدون تقديم افكار قد تعالج الامور التي تحدثنا عنها اعلاه في هذه السطور؛ولو متدخلا واحدا أشار الى التكلفة من بعيد أو قريب؛أو قدم اقتراحا قد تعمل البلاد على تحقيقه قادما!
وهنا تحضرني تدخلات نواب المعارضة أيام كان البرلمان ببلادنا مؤسسة تضم فعلا النخبة؛اذكر تدخلات الامين العام حينها لحزب التقدم والاشتراكية المرحوم علي يعته؛ كان الممثل الوحيد لحزبه ولكنه حين كان يتدخل؛تخرس القاعة بأكملها وينصت الجميع ويتابع الجميع التدخل بكامله بما فيهم القادة المخزنيون؛ ولم يحدث يوما أن كان تدخله مجرد تركيب للجمل؛ بل كان دائما تدخله يحمل أفكارًا جديدة منطقية علمية ومبنية على أسس لا تحتمل الشك؛مما كان يحرج الاغلبية ويجعلها تفكر ألف مرة قبل الرد.
أذكر أيضا تدخلات ممثلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أيامها حين كانوا يقدمون الافكار والاقتراحات التي تجعل القوانين تتغير من حسن الى أحسن.
حتى الاغلبية أيامها لم تكن تجرؤ على التحدث بالكلام النابي أو الكلام الذي لا يليق بممثلي الامة من مثل ” ديالي كبير عليك” أو ” البيليكي” أو ” الدبشخي” أو ” اللي عاطيني اختو ايجي يديها”!
الا يعلم ممثلي الامة أن قبة البرلمان مؤسسة محترمة تتم متابعتها من الداخل والخارج ؟ كما تعتبر مدرسة ووجها للسياسة والسياسيين ببلادنا وخارجها؟!
لقد تعلمنا الكثير من تدخلات نواب المعارضة حينها؛ فيما أصبحنا اليوم لا نولي أي اهتمام لتلك التدخلات سواء من جانب المعارضة أو الاغلبية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *