خطاب المستقبل

لم نعد نؤمن بقرارات متعددة لا تتماشى مع مطالب ورغبات الأفراد في بناء مستقبل افضل،يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات،تعكس ثقتنا التي أصابها التوتر و القلق النفسي و الاجتماعي في مجتمع مدني وسياسي يعي سرعة صدماته النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية مادامت آماله معلقة و مؤجلة بمصير يغلب عليه التكرار و الروتين السياسي الذي يزيد تعقيدا و تشابكا،لا نمتلك فيه الجرأة و الارادة في الخروج من هذا الخطاب الذي لم نعد نقتنع به داخل المجتمع المغربي،والتالي يجب ان نعيد النظر في اللغة المستعملة اثناء الحديث عن البديل المرتقب وما يرتبط بالتنمية البشرية المستدامة و طبيعة نموذجها الذي لم نتفق بعد عن مضامينها و محاورها الإشكالية من أجل تحديد دلالاتها و معانيها التي نعيشها واقعيا، والتي لا نجد اثارا ووقعا على أغلب الطبقات الاجتماعية الاكثر تضررا مما هو موجود،و مايحب ان يكون فعلا منجزا،يؤسس لمجتمع ديمقراطي حقيقي يعيش فيها المواطنون بكرامتهم، تكبر فيه قيم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
اكيد اننا بدأنا في تدشين اوراش تنموية منذ بداية الألفية الجديدة،مع ما طبعها من تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية،الا ان هذه المكتسبات لم تنعكس بشكل فعلي و مباشر على قضايا و هموم المواطنين في المجتمع،ومن ثم بدأ انتاج وزرع نوع من التشكيك واليأس في الفعل السياسي الهادف الذي لم يوازي طموحات عهد جديد كما كنا نتوقعه منذ البداية،وممازاد الطينة بلة هو صعود حكومات غير منسجمة في انزال مضامين الإصلاحات السياسية و الاقتصادية التي عرفها المجتمع المغربي،واصبح المشهد السياسي غامضا و غارقا في هدر الزمن السياسي و الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الصراعات السياسية داخل حكومات ما بعد ثورة الربيع العربي الذي كان مطية لاستغلال بعض الأحزاب لمطالب الشارع و الشعب المغربي ،وهي مطالب رفعت من أجل محاربة الفساد و الريع وربط المحاسبة بالمسؤولية و تفعيل القوانين و التشريعات التي ضمنها الدستور المغربي للافراد و المؤسسات.
ولتطبيع هذا الوضع،لم يتم العمل على مواصلة الجهود من أجل تحديد معالم مجتمع تنموي يناسب خصوصية وتعدد روافده اللغوية والثقافية و المجالية ،بل شهدنا واقعا تنمويا مبتورا بين مناطقه وجهاته و مجالاته الحضرية و القروية،على الرغم من توفر الموارد المالية و اللوجستيكية و القانونية في هذا السياق، وبدأنا تسجل ايضا عمق الاختلالات في التدبير و الجهات و تنامي ظاهرة الفوارق الاجتماعية في مغرب لم نعد نقتنع بمستوى نخبه المحلية و المركزية في القيام بعملها المؤسساتي و التنموي على أوجه قيام.
ولنا في المستقبل ان نعيد تقييم اوضاعنا السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،ما يجعل خطاب الفاعلين السياسيين يؤثر في توجهات المغاربة و تغيير مواقفهم و ارادتهم من تسرب خطاب اليأس الى نفوسهم التي هرمت بالواقع المزيف الذي لم يعد يقتنع به من خلال تهافت الاحزاب و النخب السياسية حول الترافع على مصالحهم الشخصية و الطبقية عوض الاهتمام باوضاع الطبقات الاجتماعية المقهورة و الدفاع عن معاناتهم و رغباتهم في تحقيق كرامتهم التي بدأنا نفتقدها من جراء انتشار خطاب الأنانية و تعميق الفوارق الاجتماعية.
وعلى الرغم من تعالي الأصوات التي تنادي بتغيير الاوضاع،هناك من يقاومها و يعارضها،لانه يريد ان تبقى كما هي حفاظا عن الامتيازات و المناصب التي اعتادوها في زمن الريع و الفساد،غير أنه سرعان ما ستندثر هذه المصالح الفئوية التي لا تعبر الا على الأنانية و الانتهازية، في الوقت الذي ينبغي ان تعمل على تأسيس خطاب جديد للامل و الثقة في المستقبل وان تتنازل شيئاً ما عن صراعاتها و مصالحها الخاصة.