حقيقة ما حدث في التعليم، ما العمل؟

حقيقة ما حدث في التعليم، ما العمل؟
بقلم محمد ياوحي أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس

في البداية كان الفاشلون هم من يذهب للتعليم الخاص بعد طردهم من التعليم العمومي، فوجد المستثمرون في التعليم الخصوصي “همزة” كبرى أصبحت تتضخم بعد تزايد أعداد الفاشلين من التعليم العمومي الملتحقين بالخصوصي.
و من ثم بدأ يتشكل لوبي من المستثمرين في التعليم الخصوصي الذين وفروا سبل الراحة للتلميذ و لوالديه بعد توفير النقل المدرسي و المطعم المدرسي و بعد احتضان التلاميذ لمدة أطول، مما مكن أولياء التلاميذ من التخلص من عبء متابعة أطفالهم جيئة و ذهابا من و إلى المدرسة، خصوصا بعد إزدياد نسبة الأمهات العاملات و الموظفات، إضافة إلى ذلك يتم تدريس التلميذ من طرف أساتذة يخافون من الإدارة و يقومون بعملهم كما ينبغي، عكس أغلبية أساتذة التعليم العمومي، و أقول أغلبية و أكررها، حتى لا نتهم بمعاداة أساتذة التعليم العمومي. هذا التعليم يعرف على العموم، و خصوصا في العالم القروي، نسبة تغيب كبيرة و ضعف الإهتمام بالتلميذ و التهرب عن طريق الاختباء وراء النقابة من أداء الواجب كما هو، زد على ذلك الإكتظاظ الذي تعرفه المدرسة العمومية و الذي يشكل عائقا أساسيا أمام التواصل بين المدرس و التلميذ و الذي يكون حاسما في المراحل الأولى للتعليم على وجه الخصوص.
و قد عرفت المدرسة العمومية نزيفا أكبر بسبب تردي أخلاق التلاميذ الذين أصبحوا يعتدون على الأساتذة في واضحة النهار و من داخل الأقسام و يسخرون منهم و يتحرشون بزميلات الفصل مع تنامي استهلاك المخدرات و الكلام الساقط داخل و أمام أسوار المدرسة، الشيء الذي حذى بأولياء التلاميذ إلى التضحية برواتهم الهزيلة من أجل إنقاذ فلذات أكبادهم من جحافل الرعاع الذين أصبح مقامهم أطول داخل المدرسة، بسبب سياسة الإنجاح رغم هزالة النقط و المستوى. فقد كان في السابق يتم التخلص من هذه النماذج في المراحل الأولى من المدرسة لتلتحق بالتكوين المهني أو بحرفة كمتعلم، حيث يقوم “لمعلم” بتهذيب سلوك الشاب و تعليمه معنى الصبر و الإنصات و تحمل المسؤولية منذ الصغر، و هي المهمة التي عجز الأساتذة عن تأديتها بسبب إختلاف الظروف بين القسم و الورشة، و كذلك بسبب العدد الهائل من التلاميذ الجانحين داخل كل قسم، و من جهة أخرى بسبب سوء وضعية الأستاذ المادية و المعنوية و إهماله من طرف الدولة؛ التي جعلته “يتقاتل” من أجل أداء الواجب في ظروف مزرية إذا لم نقل مستحيلة.
إذا، تخريب المدرسة العمومية ابتدء مع سياسة نفخ النقط و ترك الجانحين في المدرسة يشوشون على التلاميذ الأسوياء، فيسفسدون أخلاقهم و يعقدون مهمة الأساتذة و يخلقون جوا مشحونا و غير بيداغوجي و غير تربوي داخل وخارج المدرسة.
وبعد تعليمات صندوق النقد الدولي الهدامة للدولة برفع يدها عن التعليم، أصبحت الإستثمارات في التعليم سلبية، و شهدنا تراجع عدد المدارس مقارنة مع عدد التلاميذ، مما أدى إلى الإجهاز الشبه الكلي على المدرسة العمومية، خصوصا في المناطق التي تعرف اكتظاظا سكانيا، و الهروب الجماعي للتلاميذ أبناء الطبقة المتوسطة إلى التعليم الخصوصي؛ و الذي لم يضيع أصحابه الفرصة لمص دم أولياء التلاميذ، مما شكل استنزافا للقدرة الشرائية للأسر و ما له من تأثير مباشر على الطلب الداخلي الذي تراهن عليه كل اقتصاديات الدول لتحقيق التنمية.
هكذا دخل الاقتصاد الوطني ككل في حلقة مفرغة يتم من خلالها استنزاف أجور و دخول الطبقة المتوسطة و تحويلها إلى الخارج بالملايير، و هذا ما جاء به تقرير الإتحاد الأوروبي حول تهريب الأموال من أصحاب المصحات الخاصة و أرباب التعليم الخصوص؛ الذين يشكلون خطرا حقيقيا على الإقتصاد الوطني و على السلم الإجتماعي، و نعتبر هذين الملفين قنبلة موقوتة ستنفجر في أية لحظة في وجه الدولة و من يدبر ملفاتها بمنطق الريع و التملص من تحمل الخدمات الاجتماعية الأساسية للمواطنين.
حل أزمة التعليم يمر عبر المفاتيح التالية:
-تحسين ظروف اشتغال الأطر التعليمية؛
-التوقف الفوري عن سياسة نفخ النقط و احتضان التلاميذ الجانحين لأطول فترة ممكنة في المدرسة، و توجيههم بدل ذلك إلى مراكز للتأهيل المهني منذ سنوات الدراسة الأولى، بدل هدر وقتهم الدراسي و وقت الأساتذة و إمكانيات الدولة في تكوين لا يتلاءم مع القدرات الإستيعابية لهؤلاء التلاميذ؛

  • مراقبة تعريفة التعليم الخصوصي و التكاليف الأخرى كتعريفة النقل و التغذية والتغذية التأمين و رسوم التسجيل؛
    -الإستثمار في بناء المدارس و مراكز التكوين و في توظيف أطر كفؤة بمحفزات تتلاءم مع كفاءتهم و مردوديتهم و ربط العلاوات و التحفيزات المادية بالنتائج المدرسية للتلميذ أو المهنية للمتدربين؛
  • حذف بعض المواد التي تشكل عبئا على الزمن المدرسي و لا تفيد التلميذ في مساره الدراسي أو المهني؛ و تعويضها بمواد أخرى تعزز مكاسبه اللغوية و التقنية و المعرفية؛
  • الإنفتاح على المقاولات من أجل تدريب التلاميذ و المتدربين و معرفة الخصاص في التكوين من أجل سده بمقررات تكوينية ملاءمة….
    هذه مقترحات عملية للخروج من أزمة المدرسة العمومية التي لن تحلها الشعارات و الخطابات و النوايا، و لكن يحلها العمل الرصين و الإيمان بأهمية التعليم و المعلم و إعطائهم الأولوية في السياسات العمومية.
    د محمد ياوحي. استاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *