الاختباء وراء عبارة “لا تنشروا فساد مسؤولينا فأعداء الوطن يتربصون بنا” لنهب المال العام

في خضم النقاش المتواصل حول الأداء الإداري في المغرب، تتكرر ظاهرة لجوء بعض المسؤولين إلى رفع دعاوى قضائية ضد الصحافة أو المواطنين، فقط لأنهم كشفوا عبر تقارير صحفية أو فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي عن مظاهر الفساد أو سوء التسيير في مؤسسات عمومية.
هذا الوضع يثير تساؤلات عدة حول من هو العدو الحقيقي للوطن؟ هل هو الخارج الذي يترصد أخطاءنا؟ أم أن المشكلة تكمن أساسا في الداخل بين بعض المسؤولين الذين لا يضطلعون بمسؤولياتهم تجاه المرافق العمومية وخدمة المواطنين بالشكل القانوني المطلوب؟؟؟
منذ سنوات، يشهد المغرب انتشارا واسعا لمظاهر التسيير العشوائي في عدد من المرافق العمومية، من تعطيل المشاريع التنموية إلى الفشل في توفير الخدمات الأساسية بكفاءة. و تظهر بشكل متزايد في عدم قدرة بعض المسؤولين على الوفاء بالتزاماتهم وواجباتهم تجاه المرفق المسند إليهم تسييره وتجاه المواطن.
هذا الواقع يجعل من الضروري طرح النقد البناء والمساءلة كأدوات أساسية لإصلاح الأوضاع وتصحيح المسارات، و ليس رفع دعاوي قضائية لإسكات الأصوات المطالبة بالإصلاح والتقيد بالقوانين؟؟؟
في هذا السياق، يظهر جليا كيف يستخدم بعض المسؤولين مبرر “العدو الخارجي” كذريعة للتملص من المساءلة. فحينما يتم فضح الفساد أو سوء التسيير، يخرج هؤلاء المسؤولون بتبريرات واهية مفادها أن نشر هذه الحقائق يمكن أن يستخدم ضد المغرب من قِبل “الأعداء الخارجيين”.
ولكن، أليس من الأجدر معالجة هذه الاختلالات داخليا بدلا من القلق بشأن الصورة الخارجية التي يتوجب إصلاحها من الداخل؟
هناك فعلا خارجيون يتربصون بنا وبهفواتنا، ولكن من الواضح أن العدو الحقيقي للوطن ليس من ينتقد من الخارج، بل هو ذلك المسؤول الذي يعطل عجلة التنمية، ويضع العراقيل أمام تحسين أوضاع المواطنين. المسؤول الذي يهدر المال العام ويفشل في تسيير المرافق العمومية بشكل ناجع هو من يشكل خطرا أكبر على الوطن.
أمام هذه الحقائق، يمكن أن نتساءل عن الأسباب التي تدفع بعض المسؤولين إلى اللجوء للقضاء بدلا من مواجهة النقد بالتصحيح؟ فاللجوء إلى الدعاوى القضائية لا يبدو سوى محاولة لإسكات الأصوات التي تفضح الفساد، وهو ما يشكل خطرا على حرية التعبير والدور الأساسي للصحافة في بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع بالشفافية، وغطاء يتذرعون به للإفلات من المساءلة والعقاب.
إن رفع دعوى قضائية ضد مواطن أو صحفي لأنه كشف عن اختلالات في التسيير هو بحد ذاته فشل آخر للمسؤول. فمن المفترض أن يكون دور المسؤول هو الاستماع إلى الانتقادات وتقديم حلول، لا أن يحارب الأصوات التي تطالب بالإصلاح.
إن أعداء الوطن الحقيقيون ليسوا من يفضحون الفساد، بل هم من يتسترون عليه أو يتجاهلون إصلاحه. المصلحة العليا للوطن تقتضي من المسؤولين مواجهة الانتقادات بروح المسؤولية، والاعتراف بالاختلالات والعمل على تصحيحها، بدلا من التذرع بأعداء خارجيين وهميين.
فالعدو الأكبر والخطير هو الموجود داخل الوطن من فساد للمال العام وسوء التسيير، وليس من يقدم تبريرات واهية بأن أعداء الوطن بالخارج يتربصون بنا، واعتماد مبرر ” لا تنشروا فساد مسؤولينا”؟؟؟