الأعمدة الأساسية لبلورة نمودج تنموي جديد ما بعد الكورونا

في ظل هذه الأجواء الوبائية التي يعيشها العالم على وجه العموم و بلدنا على وجه الخصوص، و ما تواكبه من من تدابير و قرارات استثنائية من لدن الجهات المختصة قصد حل و تدبير الأزمة، الكل بات يتساءل عن ماًل النمودج التنموي الجديد في ظل هذه الأوضاع، خاصة أنه كان من المفروض عرض مضامينه على أنظار جلالة الملك في متم شهر يونيو الفارط، الا أن الظرفية الحالية التي بات يعرفها وطننا، جعلت جلالته أن يوافق على تمديد المهلة المخصصة للجنة النمودج التنموي لستة أشهر اضافية ، الا أن هذه الجائحة حثت على تغيير السياسة التدبيرية للنمودج التنموي الجديد برمته ، وعملت على فتح أبواب جديدة في مجال التنمية، و إعادة ترتيب الأوليات وفق ما تتطلبه الجائحة على مستوى مجموعة من القطاعات.
فبالرغم من جل السلبيات التي عرفتها البلاد في ظل هذه الأزمة، الا أنها استطاعت و بوضوح أن تسلط الضوء على القطاعات الأساسية التي باتت تشكل اليوم أعمدة الدولة و المجتمع، على رأسها قطاع الصحة ، و التعليم ، و الأمن ، و الاقتصاد . الأمر الذي أصبح يستدعي التفكير الجدي للنهوض و الاهتمام بهذه القطاعات كأولوية ملحة، باعتبارهم رافعة أساسية لبناء مغرب المستقبل .
و عليه يبقى السؤال المطروح في هذا الاتجاه : ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها و الاستفادة منها في ضل هذه الجائحة ، بجعلها مدخل أساسي لبلورة نمودج تنموي جديد وفق ما تتطلبه الظرفية الحالية .
للاجابة على هذا السؤال يجب الوقوف عند القطاعات الأساسية التي أبانت عن دورها المهم و الفعال في التصدي لهذه الجائحة .
اذن و في نفس السياق، بدءا بالقطاع الاقتصادي الذي شهد تدهورا ملفتا جراء هذا الوباء ، مما جعل ضرورة اعادة النظر في تغيير السياسة التنموية من خلال العمل على تأهيل الاقتصاد المحلي الداخلي عن طريق تشجيع الجانب العلمي و الابتكاري الوطني الذي أبان عليه مجموعة من الشباب المغاربة في ظل هذه الأزمة ، والتي تمثلت في صنعهم لمجموعة من الأقنعة الواقية، و كذا أجهزة اصطناعية للتنفس مغربية الصنع، كما عملوا على تنزيل مجموعة من التطبيقات التي تساعد على تتبع انتشار الحلات الوبائية.. و غيرها من صناعات أخرى التي أبانت المخزون الابداعي لهؤلاء الشباب، مما يستدعي إبراز هذا المخزون و إخراجه من المجال النظري إلا المجال الصناعي ، و تخصيص مساحة لهم ضمن مخططات النمودج التنموي الجديد فيما يخص الاستثمار في الطاقات الشابة ، خاصة بعد تعليق مختلف الأنشطة الشغلية التي أدت الى اختلال في التوازن المالي لدى جل الأسر المغربية ، مما أدى الى فقدان أكثر من 800ألف وظيفة.
أما على المستوى الصحي فقد وجد المغاربة أنفسهم أمام قطاع يعاني من بنية تحتية صحية هشة ، إذ لولا الاجراءات الاستباقية التي قامت بها الدولة لكنا فعلا أمام كارثة حقيقية لا محال . هذا ما جعل مطالب الأطباء و احتجاجاتهم التي دامت سنوات أن تعود إلى الواجهة من جديد ، و التي كانت ترمي بالأساس للإصلاح و السعي الدائم لتوفير كل الضمانات المادية و المعنوية للأطر الطبية و المؤسسات الصحية سواء العامة أو الخاصة، التي أبانت عن مجهوداتها و تضحياتها وروح المواطنة لديها في هذه الأزمة .
و لا نغفل عن قطاع التعليم و أُطره الذين أبانو بدورهم عن كفاءة مهنية عالية التي اتضحت خلال هذه الأزمة لضمان الاستمرارية البيداغوجية عن طريق التعليم عن بعد ،رغم جُل المعيقات التي واجهت هذا الأخير و التي يجب الوقوف عندها وتدبيرها من لدن الوزارة الوصية خاصة فيما يعرفه وطننا من فوارق اجتماعية التي تجعل معظم الأسر لا تستطيع أن توفر الوسائل الضرورية لأبنائهم من حواسيب و هواتف و لوحات الكترونية، زد على ذلك مشكل ضعف الشبكة أحيانا و غيابها في جل المناطق القروية ، كل هذه الإكراهات جديرة للوقوف عندها و تداركها خاصة و أننا لم نتجاوز هذه الجائحة بعد و لازال الوباء مستمر معنا.
أما فيما يخص الجانب الأمني استطاعت هذه الأزمة الوبائية أن تبين حس المواطنة و المسؤولية لدى معظم رجال السلطة و الأمن في التفاني و التضحية والعمل المستمر خلال هذه الأزمة ،قصد المساعدة في التصدي و الحد من هذا الوباء الفتاك .
و لا نغفل على أهمية الجانب التكنولوجي خاصة بعد حظر التجول الذي فرضته الحكومات على جل الدول أصبح الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في التواصل الاجتماعي بين الأفراد شبه كلي ، مما أصبح استخدام العالم الافتراضي بدلا من العمل المكتبي في معظم القطاعات الحيوية سواء خاصة أو عامة ، و هذا ما يحث على التفكير الجدي لصياغة نمودج تنموي جديد يواكب التطورات التكنولوجيا التي يشهدها العالم أجمع خاصة بعد الجائحة إذ لولا خدماتها الاستعجالية للاستمرار في مجموعة من القطاعات الحيوية لتوقفت الحياة في معظم المجالات .
إذن فالرهان اليوم من أجل مغرب جديد و نمودج تنموي جديد يرقى لتطلعات المغاربة لابد من النهوض بأهم القطاعات التي سبق ذكرها، باعتبارهم الركيزة الأساسية للارتقاء و التنمية .