افتتاحية مجلة 24.. من المؤهل اليوم في المغرب لإحداث التغيرات المطلوبة في الحقل السياسي؟؟؟

افتتاحية مجلة 24.. من المؤهل اليوم في المغرب لإحداث التغيرات المطلوبة في الحقل السياسي؟؟؟
بقلم: فؤاد الجعيدي

لست عدميا، ولست من هواة الفرجة على قضايا وطن أتتني فرص وأنا طالب أن أغادره إلى غير رجعة، كما فعل العديد من أصدقائي في ذلك الزمن، كانت لي إغراءات كي أستقر في بلاد البلغار، وأتابع دراستي بشعبة الدراسات الاستشراقية، لكن فضلت العودة والاستقرار في وطني بقناعة الاستمرار في النضال من أجل إنجاز أهداف مشروع برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية.
منذ ذلك العهد إلى أيامنا هذه، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، واستيقظت على خمسة وثلاثين حزبا، بعضهم له حضور في النقاشات العمومية على قلتها، وبعضها الآخر لا أثر له، سوى مع الاستحقاقات الانتخابية التي تعرفها البلاد في أوقات معلومة.
وكنت شاهدا على انهيارات كبرى، في عالم عشت بين قرنين من زمانه، تفكك فيه الاتحاد السوفياتي، وتحطم جدار برلين وهيمنت فيه الإمبريالية على شعوب الأرض، وحولت الناس وقيمهم إلى بضاعة تسوق في سوق كبرى، غذت جشع كل المضاربين على الأراضي البكر وعلى الساحات القديمة وعلى التعليم وعلى الصحة وعلى القوت اليومي لشعوب الأرض، وجرى تمزيق دول وتغيير خرائطها، وظهرت ثورات اجتماعية، كان من نتائجها على بعض البلدان العربية ظهور التيارات السياسية ذات الخلفيات الدينية والتي لم تزد الأوضاع الاجتماعية سوى سوءا وقهرا.
لم تعد القوى السياسية التقليدية، التي نبعت من رحم معارك التحرر الوطني، قادرة على تأطير الناس، بات التشكك في وظائفها يتسع باتساع دائرة المطالب، في إصلاحات سياسية عميقة تقوى على الخروج من مظاهر الاستبداد السياسي، والتخلف واتساع دائرة الفقر والتهميش وتغييب المشاركة الواسعة في الحياة للمواطنين، وتمكينهم الاستفادة من النمو الثراء الذي تستحوذ عليه القلة الطبقية.
في ظل هذه الأوضاع، باتت الأحزاب السياسية تشكل من داخل تنظيماتها شبه تجمعات عائلية، تتبادل المنافع وتعزز قدرات بعض أفرادها على التسلق الاجتماعي، واكتساب المنافع المادية، وغدا العمل السياسي يفرز تصورات في منظور الناس، أن كل اولاد عبد الواحد واحد، ونفس الأرضية هي التي باتت توهم بأن البلاد في أمس الحاجة إلى تنظيم سياسي جديد، سيعيد الاعتبار إلى مقولات الديمقراطية.
هذه الدعوة تلقفها بعض أهل اليمن واليسار، وصنعوا كوكتيلا سياسيا، سرعان ما أفل نجمه، ولم يتمكن من إحداث التغييرات المطلوبة في الحقل السياسي.
اليوم، يطالعنا رجل قد استفاد في وقت لاحق من المغادرة الطوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتأسيس حزب جديد. والسي الحاج قد دعا كل المتهافتين على التواجد بالتنظيم الجديد، أن يعبئوا المطبوع ويصادقوا عليه استعدادا لمرحلة التأسيس.
السي الحاج لا يقدم أرضية تنظيمية وسياسية، لدكانه ولم يفتح نقاشا بين المواطنين لتدارس هذا التنظيم والحاجة السياسية لاستحداثه، بل النقاش
يدور حول المطبوع وطرق تعبئته وإرساله، وهل يحق لمن كان ينتمي في وقت سابق أن يلتحق بالمولود الجديد، وأن البعض وما أكثرهم اكتفوا بمساندة السي الحاج والدعاء له بالنجاح لإنجاز فكرته وتعزيز المشهد السياسي بحزب جديد، تؤكد كل المؤشرات أنه من الخيمة سيأتي مائلا.
اليوم في المغرب، لسنا في حاجة إلى تكتل سياسي إضافي جديد، بل في طرح السؤال عمن هو المؤهل في البلاد، لاسترداد التوزان الغائب في تعبئة الجماهير للقيام بالنضالات المطلوبة، لفرض تبني سياسات جديدة، تحدث القطيعة مع الاختيارات التي قادت إلى نتائج معلومة، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعملت على زرع الشك في جدوى العمل السياسي للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة.
البديل الواقعي اليوم، هو أن الحركات الاجتماعية المواطنة والمسؤولة، قادرة على لعب هذا الدور التاريخي. وهذه الحركة لن تكون سوى النقابات العمالية الأصيلة التي اكتسبت مشروعيتها من صلب عمليات التأطير المباشر واليومي للعمال، وقيادة حركاتهم الاحتجاجية بانضباط مسؤول.
هذه الحركات هي الأمل والمستقبل الحقيقي في مغرب يسعى للبحث عن نموذج تنموي جديد.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *