افتتاحية مجلة 24 : مدونة الشغل الوحش الأسود للبطرونا

افتتاحية مجلة 24 : مدونة الشغل الوحش الأسود للبطرونا
بقلم فؤاد الجعيدي

شكلت مدونة الشغل في تشريعنا الوطني مكسبا ثمينا، لأطراف علاقات عالم الشغل، من فرقاء اجتماعيين واقتصاديين. ويعود الفضل للاتحاد المغربي للشغل في الدفع باتجاه تحقيق التوافق في إخراجها لحيز الوجود، هذه المدونة التي تبنت في العديد من موادها وفصولها الحرص على توسيع مفهوم الديمقراطية التشاركية، داخل الوحدات الإنتاجية من مثل التنصيص على، وجود لجنة السلامة والصحة المهنية، ولجنة المقاولة مع إشراك ممثلي العمال، ومندوبيهم في خدمة المصالح المشتركة التي تعمل على الحفاظ على مناخ اجتماعي سليم في العلاقات الإنتاجية والتطور العام لمخططات التنمية الإنتاجية.
وقد حرصت العديد من الدول الإفريقية والعربية على تبني هذا النموذج العصري، في تدبير علاقات الشغل. وقد انضافت الاتفاقيات الجماعية كآلية بين أرباب العمل والنقابات الأكثر تمثيلية، لتعزز روح التفاوض والتشاور وتنتزع فتيل التوترات الاجتماعية كلما دعت الظروف والحاجة إلى ذلك.
إلا أن هذه المكاسب وثمارها الحميدة، برزت أصوات تنادي بضرورة مراجعتها في سياق، ظل فيه الرأس مال، يراهن على المزيد من التخلص من مسؤولياته الاجتماعية اتجاه القوى المنتجة، بدعوى اللجوء إلى المرونة.
ومفهوم المرونة ودخوله لقاموس أرباب العمل المغاربة، يعود إلى ندوة مراكش الأولى، والتي عرفت إحدى لجانها توترات قوية بين رئيسها الراحل بوزبع، والراحل عبد المجيد الذويب، والذي أعلنها جهرا أن المرونة لا تعني سوى مزيدا من التشحيم لتسهيل عمليات الاستغلال.
ظلت النقابات العمالية تقاوم، كما ظلت الحكومات تناور لتصيد الفرصة، لمراجعة مدونة الشغل، كما حدث مع وزير الشغل السيد اليتيم، الذي دعا لتنظيم يوم دراسي، تستغل توصياته لمراجعة بعض بنود المدونة وهو نفس الأمر الذي ظل سلفه أمكراز وفيا له.
إن الاتحاد المغربي للشغل تصدى بالوضوح التام، لكذا تكتيك يتوخى الالتفاف على ما وفرته المدونة من ضمانات للأجراء، نزولا عند رغبة الباطرونا المغربية، والتي باتت ترى في المدونة الوحش الأسود الذي يتعارض مع رغبتها في الاستغلال وتيسير النصوص التي تحميه وتشرع له. مما يفيد أن هناك تضامن خفي بين وزارة الشغل والإدماج المهني، وأرباب العمل في هذا النزوع، والدليل على هذا التوجه أن وزارة الشغل والإدماج المهني، تستند لمقاولات من الباطن، تفوت لها خدمات الأمن والتنظيف ،وهي تعلم أكثر من غيرها ما تعانيه هذه الشريحة من هشاشة وغياب ضمانات الاستقرار في العمل. ينضاف إلى هذا المعطى، لجوء وزارة التربية والتعليم إلى التوظيف بالعقدة، وهو ليس سوى شكل من أشكال تصريف المرونة وجعلها واقعا مفروضا، وفي عمقها الحقوقي ردة ونزوعا نحو ترسيخ أشكال قديمة من العمل عرفت في البدايات الأولى من تاريخنا المعاصر.
إن اللقاء الدراسي حول مدونة الشغل بين النص القانوني والتطبيق الفعلي، أعلن طموحا عن البحث عن جيل جديد من الإصلاحات، والتي لا تخفى نواياها وإضرارها بمصالح العمال في الاستقرار المهني، في حين أن المصلحة العليا تقتضي التقييم الموضوعي لمدى تطبيق واحترام مقتضيات مدونة الشغل، ودون الانحياز لأرباب العمل وتغليب مصالحهم على حساب مصالح الأجراء، حيث يفترض أن تظل الحكومة على نفس المسافة بين هذه الأطراف.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *