افتتاحية مجلة 24.. جلد النفوس والعقول في مواقع التواصل الاجتماعي

افتتاحية مجلة 24.. جلد النفوس والعقول في مواقع التواصل الاجتماعي
بقلم: فؤاد الجعيدي

في ظل جائحة كوفيد 19، يتبادل الناس عبر تقنيات التواصل الاجتماعي، رسالة موجهة إلى المدير الإقليمي، للمديرية الإقليمية، مصلحة الشؤون التربية، بسيدي سليمان، ومذيلة بخمس توقيعات للمدراء التربويين بخمس مدارس خاصة، يلتمسون فيها عدم موافقة مصالح المديرية على شواهد المغادرة للراغبين من أولياء وأباء التلاميذ في نقل أبنائهم إلى المدارس العمومية.
الرسالة تفيد أن هناك هجرة جماعية بسيدي يحي الغرب من التعليم الخصوصي إلى التعليم العام.
لم أفاجأ لمضمون الرسالة، بقدر ما تفاجأت لشكلها، حيث حررت على ورقة تحمل الشعار المستخدم لدى المصالح الخارجية لوزارة التربية والتكوين.
كيف لأشخاص يعملون بالمؤسسات الخاصة للتربية، وهم بالمناسبة مدراء ومسؤولون تربويون أن يقعوا في هذا الخطأ، وهم ليسوا مصلحة من مصالح الوزارة، بل قطاعا مستقلا عنها وعلاقته بوزارة التربية والتكوين من باب الوصاية والمراقبة. ولا يجوز لهم استعمال شعار الهوية الكاليغرافية للوزارة.
يذهب رأيي أن مروجي الرسالة وفي هذه الظروف بالذات يسعون لافتعال كذا قضايا لأغراض ونوايا لا يدركها إلا الواقفين خلف هذا العبث الاجتماعي.
لقد صارت للمواقع الاجتماعية هذه السلطة، في صناعة قضايا ومشاكل والترويج لها بين عموم الجمهور المتلقي، والذي ناذرا ما يتساءل عن الأسباب والخلفيات التي تتحكم في هذه الإثارات، بل يجعل من رسائلها فرصة لإنتاج خطابات، وروايات شفوية تعيد للذاكرة المقولة القديمة آفة الأخبار رواتها. وهنا تضيع الحقيقة وتبتدئ الأيديولوجية في ممارسة مؤثراتها في عقول الناس، وتسلبهم إرادتهم في التفكير وتكوين القناعات التي تحتكم للعقل.
إننا نعيش وهذه التكنولوجيا الرقمية، مرحلة جديدة يعبأ فيها الناس، للقبول وعن طواعية بمعطيات وهمية، على أنها هي الواقع الملموس، بل يزداد الوضع حرجا حين ينشئ البعض غرفا للدردشة ويعتلي منصتها، لينشط محادثات بين مجموعات تعاني الإقصاء أو الفراغ من الحياة الاجتماعية.
في هذه الغرف يغيب التفاعل وتبرز سلطة الخطيب المتمكن من جهله الذي يوزع أحكام القيمية ويستقطب مريدين له ليعززوا آراءه بين المنصتين.
غرف الدردشة لا تقبل الآراء المختلفة، ولا تمتع الزوار الجدد بالحق في الكلام، حتى يتثبتوا مدى قبولهم بالأفكار والمواقف التي تروج ويصبحون دعاة لها بامتياز.
غرف الدردشة تتوفق في صناعة الأوهام، وسط الجماهير وصناعة الثورات وصناعة الشرود الجماعي والتمرد، لكنها تنتج وصفات للتخدير العقول، وصدها عن الحياة الاجتماعية الملموسة والتي يتبادل فيها الناس المشاعر والأفكار وناذر ما يضحون بذواتهم ومواقفهم وقناعاتهم.
إن البدائل التي توفرها التكنولوجيا اليوم، تزيد من عزلة الناس تعمل على تفكيك كل الروابط الحميمية والإنسانية بينهم وتعمل على تعبئتهم في صناديق الكترونية، للعيش في موت رحيم.
في الغرب الذي أبدع وأنتج هذه التكنولوجيا الرقيمة، جعل من أدائها أسلوبا للتغلب عن تعقيدات الحياة المعاصرة وتيسير التفاعل معها، والتحكم في الزمن الحياتي، وإدارة الشؤون اليومية للناس. والتعلم عن بعد.
لكن عند الشعوب العربية هذه التكنولوجيات تستخدم لتزييف واقع عنيد ولنشر ثقافة اليأس من الحياة بين الناس، ولاستعراض الأجساد والتباهي بالرقص المقيت، وللتداول في جلد النفوس والعقول.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *