افتتاحية مجلة 24..المجتمع المغربي في غنى عن أصوات تأجيج العنف

افتتاحية مجلة 24..المجتمع المغربي في غنى عن أصوات تأجيج العنف
بقلم : فؤاد الجعيدي


حادثة اغتصاب طفل وقتله بمدينة طنجة، كانت بكل المقاييس جريمة نكراء وبشعة. وبعد اعتقال المتهمين والمتورطين ووضعهم تحت إجراءات الحراسة النظرية، ثم تقديمهم للعدالة. فقط القضاء وحده له الصلاحية في التحقيق مع المتهمين وإنزال العقوبة التي سيقدرها القضاة وفق التشريع الجنائي للبلاد.
غير أنه بمواقع التواصل الاجتماعي، جندت أقلام وخلقت نقاشات، تميزت بإشاعة العنف والكراهية، ضد كل من دعا إلى وضع ظاهرة الاغتصاب والجريمة، موضع نقاش فكري عميق، لكل واحد الحق في الدفاع عن قناعاته، دون عنف ولا تجريح في الآراء المختلفة. بل هناك جمهور واسع من الناس، من أباحوا لأنفسهم أن يصبحوا قضاة، ويقررون بانفعالات قوية، كيف ينبغي الحكم على الجاني، وهنا من ذهب إلى ضرورة التمثيل بجثته بالساحات العمومية وأمام الملأ، وذهب آخرون في الترويج لشريط عملية إعدام شاب، رميا بالرصاص، في إحدى الساحات العمومية باليمن، كان قد اغتصب في وقت سابق طفلة ثم صلبوا جثته.
إذن هنا من يحن وفي أي مناسبة أن يستورد لبلادنا نماذج من الشرق البعيد، ويريد لقضائنا أن ينهج نهجها، وإن كان النموذج هذه المرة يأتي من بلد يعرف صراعات دموية على السلطة، ودمار للبنيات التحتية وإزهاق أرواح البريئة يوميا. وهذا الحنين يتناسى أن المغرب قطع أشواطا في بناء الدولة العصرية الحديثة، وأسس لسلط المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية وبنصوص في كثير من الأحيان في غاية الأهمية والتقدم. ويسعى بقوة وبالكفاح الديمقراطي ليمكن هذه السلطات من استقلاليتها وفق درجة نضج الظروف الوطنية وموازين القوى.
لكن هناك، من يصد عن اختيارات الوطن، ويسعى جره إلى عنف، هو الذي ظل يغذي القوى الظلامية التي تتحين الفرص لجر البلد، إلى حمام الدم، لولا يقظة المصالح الأمنية للبلاد والتي وصلت إلى خلايا داعشية في مهدها، وكشفت نواياهم الإجرامية في زعزعة استقرار البلاد بالاعتداء على مواقع عديدة كشفت عنها التحقيقات الجارية.
إن هذه الأفكار المتطرفة، نجد لها تصريفات إزاء أحداث خاصة كما جرى في تداول حادثة طنجة المأسوف عليها.
لنكن واضحين اغتصاب الأطفال، ليس بالموضوع الجديد، وتناولته العديد من الدراسات الأكاديمية، بالدرس والتحليل العلمي الرصين وبالمقاربة القانونية والنفسية والاجتماعية، وظاهرة الاغتصاب لم تكن حكرا على مجتمع دون آخر، وكلنا يتذكر الهزة العنيفة التي كانت الكنيسة بروما مسرحا لها، وما فتح حولها من نقاشات بين الأساقفة أنفسهم.
لنقلها بكل صراحة أيضا، لا زال المجتمع المغربي يتحفظ في نقاش الموضوع والمتضررون لا يجرؤون على الكشف على اعتداءاتهم، نظرا للطبيعة المحافظة للمجتمع وشدة حيائه للخوض في الموضوعات الجنسية بصفة عامة.
هناك ضحايا وما أكثرهم، وهناك كبث يصل درجة المرض لدى العديد من الأشخاص. لكن ما العمل؟
هذا هو السؤال الذي نطرحه على أصحاب دعوات القصاص العنيف والدعوة إلى الإعدام. هل هذا هو النهج السليم لمواجهة الظواهر الشاذة؟ ألم نستخرج الخلاصات من اللحظات التي انقسم فيها المجتمع بحدة في مدونة المرأة ونزول القوى المتصارعة في تظاهرات كان بعضها لاستعراض العضلات. هل تمكنا من معالجة المحاور العامة للموضوع وإحداث التوافقات المطلوبة، لولا التدخل الملكي وإحداث اللجنة العلمية والفقهيه، التي جاءت بتوافقات كبرى مكنت المجتمع من اجتياز هذا المنعطف الحاد بسلام.
كفى من توظيف مواقع التواصل الاجتماعي، لإثارة الفتن بين الناس، وصب الزيت على النار وتوهيم الناس أنهم صاروا أصواتا تقرر فيما ينبغي أن تكون عليه العدالة.
كفى من البيانات التي تجهش باللغة، لاستمالة العواطف والمشاعر بنية الركوب عليها. إنه الأسلوب الأكثر دناءة، والذي لا يخدم قضية بقدر ما يتوخى التزود لمراحل مقبلة ويجعل مشاعر الناس وقودها.
الدفاع عن القضايا المجتمعية، يحتاج إلى القناعات والفكر البناء والنقاش المسؤول الذي يحترم الناس ويخاطب فيهم عقولهم لا أهواءهم. كما حدث
لأحد السياسيين حيث، أخذه الحماس والنعرة القبلية بمدينة طنجة، وهو عضو باللجنة التقريرية لحزب يساري، وطالب بإعدام الأستاذ أحمد عصيد، وقال في تدوينة له، قبل أن يقوم بسحبها: “مثل هاته الميكروبات الفكرية، وجب إعدامهم على الفور” وهو موقف يتعارض مع أفكار حزبه وتوجهاته السياسية والأخلاقية، ووضع هيئته السياسية في حرج كبير، قررت معه الاعتذار للمفكر أحمد عصيد. إنها مأساة بكل المقاييس.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *