أسباب افتقاد الاستحقاقات بالمغرب لطعم التنافس

أسباب افتقاد الاستحقاقات بالمغرب لطعم التنافس
فؤاد الجعيدي

في العالم الديمقراطي، تشكل الاستحقاقات مناسبة ثمينة، للنقاش العمومي ومحاسبة ومحاكمة السياسيات المنتهجة من طرف القوى السياسة التي ساهمت في تدبير الشأن العمومي في بلدانها.

في الولايات المتحدة الأمريكية، كادت المعركة الانتخابية بين ترامب وبايدن، أن تصل إلى حد التناحر واستعراض القوة حين حشد ترامب بعض مناصريه للمارسة العنف والتشكك في سلامة ونزاهة الانتخابات.

ولا زلنا نتذكر كيف دخل القضاء بالولايات الأمريكية على الخط، وكيف سارع رجال السياسة للدفاع عن المؤسسات الأمريكية، وعلى الثقة في أن الأغلبية لا بد أن تكون بالضرورة للاحتكام لصناديق الاقتراع والانتصار للديمقراطية.

هنا بالمغرب الذي ننعت شبابه بالعزوف الساسي، كيف كان يتابع لحظة بلحظة واقع أخبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهذا المعطى ليس بالجديد، كلما تعلق الأمر بالانتخابات الفرنسية، نرى تتبعا لها من طرف المهتمين بالحقل السياسي، بل تقوى التخمينات عن الفائز المستقبلي.

لكن حين يتعلق الأمر بالحياة السياسية الداخلية، تكثر أحكام القيمة على أن انتخاباتنا، ليست سوى مسرحية هزلية سيئة الإخراج والممثلين بها لا يتوفرون على كاريزما شد انتباه المتتبعين لفصولها.

الأمر ازداد سوءا، مع ظاهرة الترحال السياسي، وتغيير المواقع من هذا الحزب إلى ذاك والعكس بالعكس. حزب التقدم والاشتراكية يستورد سمانا من حزب الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، ومرشحون من التقدم والاشتراكية والفائزون في الانتخابات السابقة يشدون الرحال الاتحاد الاشتراكي وإلى الأصالة والعاصرة أو الأحرار أو الاتحاد الدستوري. الاتحاد الاشتراكي لم يسلم بدوره من أن يذهب إلى القلاع الجيدة لينتقي له نسل من الفحول لإدخالها إلى الحزب برهان الفوز بالمقعد المنتظر.

العدالة والتنمية أولئك المؤمنون بامتلاكهم لمبادئ التأسلم أكثر من غيرهم من الناس، يكتشفون أن بزاوية العدالة والتنمية لا تمارس السياسية إلا باعتبارها منافع بين أهل العشيرة، وقالها زعيمهم ابن كيران في لقاء بتجمع حزبي، لقد أتينا للانتفاع ومن كان منا يركب سيارة قديمة سار يتمتع في نعيم السيارات الرباعية الدفع وآخر سيارات المرسديس المكيفة من المال العام، وقوبل بالتصفيقات الحارة على هذا الاعتراف الذي لا يقر به إلا من لا وجه له ومن أباح لنفسه أكل مال السحت.

الحاج نبيل بن عبد الله في حواره مع الأيام قال في الديمقراطية ما لم يقله مالك في الخمرة، علما أنه صار من جزاري ما تبقى من الديمقراطية بحزب التقدم والاشتراكية.

الأحرار استورد من الأصالة والمعاصرة رؤوسا من المكتب السياسي، تجيد تلميع الكلام والوعود المعسولة، يقدمهم أنهم البديل الطبيعي في هذه المرحلة لإنتاج الثراء والخروج من الأزمات اللولبية، التي يوجد في صلب صناعتها، ويقدم مشاريع على أضواء كاشفة مع علمه باستحالة تنفيذها.

بالعودة إلى التشكيلات الاجتماعية بالمغرب، نرى ونلمس أنها عرفت تحولات جذرية، أن الطبقة العاملة والمغربية تظم اليوم نخبا من المهندسين والتقنيين المتخصصين وتتوفر على المهارات التي تبدع في التكنولوجيات المتطورة لكن ليس لها أي حضور بالتنظيمات الحزبية، التي يستولي عليها أصحاب القرابات العائلية ومتبادلي المنافع فيما بينهم.

المهمشون من كفاءات معطلة بحكم تباطء مؤشرات النمو، ملفوظين من السياسة، والناس الذين يوجدون على عتبة الفقر، تتسارع الأحزاب لاستمالتهم بقفف التغذية وهنا من وظف المراكز للقيام بهذه العمليات التي يطلق عليها مجازا الخير والتضامن.

وهنا من الإسلاميين من روبط الأواصر مع المحتاجين والمعدمين ليجعل منهم قاعدة انتخابية يتم إرشاءها على مدى العام، لتكون على أهبة مدهم بالأصوات في حالة المعارك السياسية وصنع منهم الفراشة وبائعي الخدنجال والعطور الشرقية وملابس كندهار واحتل بهم واجهات بيوت الله التي لم تعد للطمأنينة بل أقحموا لها وظائف في حث الناس على اجتهادات لا تمت بأية صلة لطباع المغاربة واعتدالهم إسوة بنبيهم الكريم محمد عليه أفضل الصلوات والذي لم يأت سوى رحمة للعالمين، بالخلق العظيم.

من كل هذا نخلص أن السياسة لم يعد لها ذلك النبل، في تخليص المجتمع من أوجاعه وأمراضه، بقدر ما صارت تتمنى أن لا ينتقل هذا الوضع إلى ما هو أفضل وتجعل العصا في العجلة كي يستمر الانتقال الديمقراطي وأن لا ينجز مهامه المرحلية.

لذلك لم تعد الأحزاب تتبارى في المجتمع على الأفكار، بل لم تعد تجد فيها جدوى وهي التي ذاقت منافع الريع، كما عبر عن ذلك الشيخ ابن كيران، الذي استراح على نعم تقاعد بلغ 7 أرانب في الشهر دون شقاء ولا عناء.

إذن موضوعيا لم تعد لنا أحزابا، تحمل رؤى سياسية ومواقف مبدئية وثابتة تدافع عنها في العراك المجتمعي، بل سجل عليها، الانتظار لتقتات من مشاريع الأفكار التي أتت بها المؤسسة الملكية وعملت على إبداعها، كمشروع الحماية الاجتماعية، أو لجنة النموذج التنموي الجديد.

نظريا الأحزاب تمثل تطلعات قوى اجتماعية وتشكيلات طبقية، تدافع عن مصالح الفئات التي تمثلها طبقيا واجتماعيا، وهو معطى لم يعد واضحا بين الأحزاب السياسية والتي ضحت بوظائفها الدستورية في تأطير المواطنين والشباب. ولم يعد من حقها أن تطالب بالدعم لمهام لا تقوم بها. جريا على مقولة فقيه الشعبويين الأجر مقابل العمل.

من بين البدع التي تم اختلاقها اليوم، أن اللقاءات الحزبية صارت شبيهة بالأعراس، وفيها موائد بها ما لذ وطاب، من المأكولات والخرفان المشوية ومما يشتهي الناخبون، ثم تحول تقديم المرشحين كما تفعل النكافات، لتمجيد الناخبين من الأعيان، وبعدها تبدأ زغاريد النسوة ومن الصعب في هذه الحالات التمييز في وظائف الزغردة ودلالتها سوى أننا نعيش مسخا مبينا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *