تغطية اختطاف “الجابرية “ صحافي رابط أمام طائرة مختطفة في مطار بومدين
(الحلقة الثامنة)
يمكن القول الآن بأنها كانت تجربة مثيرة وشاقة إلى أقصى حد. إذ لايمكن الفصل بين الوقائع الخاصة بطائرة مختطفة وظروف العمل بل حتى المخاطر المهنية. كانت الطائرة “الجابرية” قد هبطت في عدة مطارات وانتهت رحلتها الدرامية في “مطار هواري بومدين” بالجزائر. كنا خلال نهارات وليالٍ طويلة نغطي التطورات ونحن على بعد أمتار من طائرة مختطفة زرع فيها خاطفون عدة ألغام ، وكان في قبضتهم أزيد من مائة رهينة إضافة إلى طاقم الطائرة ، كنا أمام عدة احتمالات : تفجير الطائرة وهو ما سيؤدي إلى مذبحة سنكون نحن الصحافيين حتماً بين ضحاياها، أو قتل الرهائن واحداً تلو الآخر، خاصة أنهم قتلوا رهائن عندما هبطت الطائرة في مطار لارنكا في قبرص كما هددوا بقتل آخرين، أو اقلاع الطائرة وانتقالها إلى مطار آخر، وهو ما كان يعني أن نغادر الجزائر إلى محطة أخرى ، والاحتمال الذي كان يتمناه الجميع إطلاق سراح الرهائن.
كانت تلك التجربة المهنية استثنائية في كل شيء. هذه هي “الحلقة الثامنة” عن”قصة الجابرية” التي ستصدر في كتاب.
واصلنا عملنا المنهك في غياب معلومات مؤكدة، ومتابعة كل ما يحدث في ” مطار هواري بومدين “حيث توجد “الطائرة الجابرية” المخطوفة لحظة بلحظة. كنا نرصد حركة المطار وكل ما يدور قرب الطائرة المختطفة ونتابع المكالمات بين الخاطفين وبرج المراقبة والتي تدور بثلاث لغات إلا أن اللغة الانجليزية كانت هي الطاغية.من أبرز سمات تلك التجربة أننا كنا نتبادل المعلومات بيننا دون اعتبار لأي تسابق أو تنافس مهني . عملنا كأننا ” فريق واحد” إلى حد أن بعض وسائل الاعلام أطلقت علينا لقب”ابطال الجابرية”. وفي هذا الصدد وخلال مؤتمر التحرير السنوي الذي كان يشارك فيه الصحافيون الأساسيون في صحيفة “الشرق الأوسط” إضافة إلى أبرز المسؤولين الإداريين ، وكان قد انعقد عقب انتهاء “قصة الجابرية”، طُلب مني الحديث عن تفاصيل التغطية ، كان رأيي أن هناك فرقاً شاسعاً بين العمل المكتبي والعمل الميداني في الصحافة ، وقلت إن تفاصيل ذلك الحدث كانت تمر أمام أعين وأسماع جميع الصحافيين المرابطين في الخيام قرب الطائرة المخطوفة ، بكن يكمن الفوق بين صحافي وآخر في اللمسات الشخصية وزاوية المعالجة والحدس الصحافي والتقاط التفاصيل الصغيرة ، كل ذلك هو الذي يخلق الفرق بين تغطية صحافي وآخر .
في محاولة لتوفير حد أدنى من الظروف الملائمة، نصبت السلطات الجزائرية خياما إضافية.كان هاجس الجزائر الرسمية أن يقول الصحافيون في أخبارهم وتقاريرهم ، أن السلطات وفرت لنا ظروف عمل غير معتادة، وبكل موضوعية كان ذلك صحيحاً.
زادت أحوال الطقس المتقلبة، على الرغم من أننا كنا في بدايات فصل الصيف ،الوضع سوءاً اذ ان الصحافيين يفترشون العشب وحين يهبط الظلام تهب رياح باردة تجعل من النوم مسألة مستعصية.كان من بين الأحداث التي لم نستطع التقاطها ، أن الخاطفين إطلقوا سراح أحد الرهائن الكويتيين ، ويبدو أن المفاوضين الجزائريين الذين كانوا ينتقلون إلى المدرج الذي توجد فوقه الطائرة عندما يكون هناك لقاء مع الخاطفين، في سيارات صفراء زجاج نوافذها من النوع الذي يحجب رؤية من بداخل السيارة .
في إحدى المرات سمعنا مكالمة بين الخاطفين وبرج المراقبة ، يقولون فيها ” نحن جاهزون” ، وفهمنا أن ذلك يعني استقبال المتفاوضين الجزائريين ، لكن اللقاء بين الجانبين دام بضعة دقائق ويبدو أن الغرض كان نقل الرهينة الكويتي من داخل الطائرة إلى السيارة الصفراء .
لم نعرف بأن هناك رهينة أطلق سراحه،حتى قرأنا الخبر في قصاصة لوكالة الأنباء الجزائرية (واج) باللغتين العربية والفرنسية ، ووضع جهاز البث في غرفة قريبة من خيام الصحافيين. حيث أوردت الوكالة أن طائرة كويتية نقلت إلى الكويت رهينة أفرج عنه الخاطفون،
وكانت الطائرة نفسها تقل أيضاً عدداً من أعضاء الوفد الكويتي. وجاء في قصاصة الوكالة ان سعود محمد العصيمي وزير الدولة الكويتي للشؤون الخارجية الذي كان يقود المفاوضات مع المفاوضين الجزائريين منذ البداية بقي في العاصمة الجزائرية.
وفي الوقت نفسه نقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) آنذاك عن مصادر قريبة من المفاوضات التي تجري مع خاطفي “الجابرية” أن الخاطفين في انتظار تعليمات من الخارج حول الخطوة التالية ولم تستبعد بعض المصادر في ذلك الوقت أن يكون الخاطفون يرغبون في ” تسجيل رقم قياسي في تاريخ اختطاف الطائرات” لاستثمار ذلك مستقبلا. ومما جعلنا نعتقد أننا على وشك وقوع حدث دراماتيكي أن وكالة أنباء غربية كتبت تقول ” مع دخول المأساة يومها الخامس عشر اختفت كل الآمال في حدوث انفراج ينهي هذه الأزمة فيما ذكر ان المفاوضات بين الخاطفين والسلطات الجزائرية قد وصلت إلى نقطة صعبة”. خلق هذا الخبر بيننا بلبلة ومخاوف من احتمال تفجير الطائرة ، إلى حد أن مصور مصري كان يعمل مع قناة يابانية راح يطلب من بعضنا تسجيل “الوصية الأخيرة”.
في غضون ذلك وفي ظل أجواء متوترة، أغلق الجزائريون الباب أمام أي امكانية لمعرفة معلومات عما يجري ، ليعيش الجميع حالة انتظار صعبة مفتوحة على جميع الاحتمالات.
في مطار هواري بومدين مع مصور قناة فرنسية