من الحسن الأول بسطات شعيب حليفي يروي سيرة تامسنا/ الشاوية

من  الحسن الأول بسطات شعيب حليفي يروي سيرة تامسنا/ الشاوية

موعد آخر بمركز الندوات، في إطار المحاضرات التي تنظمها جامعة الحسن الأول بسطات، واحتفاءً بشعيب حليفي، كاتبا روائيا وباحثا جامعيا، وبحضور السيدة رئيسة الجامعة خديجة الصافي ونوابها وعدد من عمداء الكليات والمؤسسات التابعة للجامعة وأساتذة وإداريين وطلبة، انطلقت أشغال اللقاء الذي ترأسه وقدم له عبد القادر سبيل ، عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بكلمة في حق شعيب حليفي روائيا وباحثا ومثقفا.

محاضرة شعيب حليفي التي اختار لها عنوان ” الشاوية بوصفها خيالا ضائعا” افتتحها بقدرة التخيل إلى جانب العقل في بناء وتشكيل الروح الجماعية والوعي التاريخي والهوية والقيم العليا، وأن الذاكرة خزّان الروح في صيرورتها التاريخية. ثم انتقل متسائلا كيف يمكن إعادة تركيب تاريخ الشاوية القديم وتحديدا بورغواطة ببلاد تامسنا في حكاية متحررة من حقائق “زائفة” بقيت طويلا بوصفها الصورة الكاملة لأول إمارة مغربية، بُعَيدَ الفتح الإسلامي، مستقلة عن المشرق والخلافة الأموية أو عن أي سلطة خارجية، خلال الفترة ما بين 739م و1063م وعلى مساحة زمنية تدنو من أربعة قرون، ذلك أن الكتابة عن بورغواطة أشبه بالولوج إلى رواية ملحمية ذات نهايات تراجيدية متعددة، تمنح الدّاني منها روحا متجددة تؤمن باحتمالات الحقيقة في نفس درجة الخيال، أمام سيرة مغرب في لحظة تاريخية تنمو وسط مساحة مشرعة، الحياة فيها من حلم وواقع، ومن نهار ممتد لا يتعاقب معه شيء وإنما يسير إلى جانبه ليل طويل، كأنهما في سباق لمسافة لا معلومة من أجل الوصول إلى النهاية لتحديد البداية، هل تكون لليل ثم للنهار أم العكس.

وقال بأن بورغواطة التي غيّب التاريخ المتداول في المدارس والمؤسسات وجودها ، حَكمها سبعة “حُكّام، أمراء أو ملوك” كانوا على قدر كبير من العلم والشجاعة، لم يستطع المؤرخون والجغرافيون والإخباريون ، رغم كل شيء، من إنكار صفاتهم وقيمهم. قالوا فيهم: أول ملوكهم طريف بن مالك وكان على ديانة الإسلام شجاعا ومقداما. ثاني ملوكهم صالح بن طريف “كان من أهل العلم والخير”. ثالث ملوكهم إلياس بن صالح و”كان طاهرا عفيفا لم يلتبس بشيء من الدنيا”. رابع ملوكهم يونس بن إلياس “رحل إلى المشرق وحج” وكان فارسا مقداما عمل على توسيع مجال تامسنا وجعل هيبة كبيرة لبورغواطة.خامس ملوكهم محمد أبو غفير وكان “متنسكا زاهدا تاركا الدنيا مُقبلا على الآخرة، متشددا على نفسه في الطعام والشراب”. سادس ملوكهم عبد الله أبي الأنصار و” كان سخيا ظريفا يفي بالعهد ويحفظ الجار، ويكافئ على الهدية بأضعافها”.أما سابع ملوكهم عيسى أبي منصور، فقد قالوا فيه بأنه ” سار بسيرة أبيه”. كما أن من جاء بعد سابعهم فكان شجاعا ومِقداما، مات مستشهدا في الدفاع عن بلاد تامسنا وحريتها.

كما وصفوا سكان بلاد تامسنا بأن رجالهم أهل كرم وبأس، عُرفوا بالشجاعة والفحولة، أما نساؤهم فهن جميلات برونق خاص.

بعد ذلك انتقل المحاضر إلى التفصيل في سيرة طريف وابنه صالح وعلمه وذكائه والسياق الثقافي والفكري والسياسي العربي في تلك الفترة، ثم من جاؤوا بعدهما في تفاصيل استمرت إلى زوال إمارة بورغواطة في حرب استمرت طويلا مع المرابطين والموحدين.

وقد كان شعيب حليفي يسرد هذه السيرة برؤية الكاتب الروائي الذي يمحص ويكشف تهافت المؤرخين وأغاليطهم التي وسموا بها بلاد بورغواطة مختتما باختصار بعض التفاصيل في ست نقط:

أولا: بورغواطة إمارة استمرت أربعة قرونفي جغرافيا كبيرة وخصبة بها مئات الآلاف من الساكنة، لهم أهل في كل البلاد وعلاقات وتجارة وليسوا جماعة قليلة مختبئة خلف سور أو في كهف. إنها إمارة لم تأت من فراغ ولم تكن عابرة أو ضعيفة، بشهادة ابن حوقل والبكري وغيرهما، ” بلدهم مستقل بنفسه عن الحاجة لأنهم أهل شدة وبأس وصبر”(ابن حوقل). كما أن أرض تامسنا خزّان كبير على مرّ التاريخ للزرع والضرع وأهلها لا يجوعون، ويطعمون البلاد الأخرى.

ثانيا: شعب تامسنا، هو جزء من المغرب والمغاربة، لم يولد مع الفتح الإسلامي وإنما هو ضارب في القدم في حضارة محلية لها ثقافاتها وعاداتها وموروثاتها والتي اندمجت وتكيفت مع مجيء الإسلام؛ لذلك حينما يقولون إنهم اشتغلوا بالعلم والسحر وعلم النجوم والكلام والجدل ونبغوا في كل ذلك، فلأن السياق التاريخي كان يدعو إلى تلك الثقافات. ألم يتعلمها كبار العلماء والساسة في تلك المرحلة وما بعدها بقرون؟

كما أن ما أخذوه عليهم من عادات في حياتهم اليومية والمرتبطة بالأكل وغيره هي من تقاليدهم وعاداتهم وثقافاتهم التي لا تتعارض مع العقيدة.

ثالثا: اختار البورغواطيون الإسلام، واختاروا توجه الصفرية في فترة اشتداد الصراع من أجل البقاء وإثبات الوجودحرصوا حرصا شديدا في أداء الفرائض، في التطهر والصلاة والصيام في رمضان وفي رجب تقربا لله، وفي أيام من الأسبوع، وفي الزكاة وفي العقوبات الخاصة بالكاذب والزاني والسارق. أما علاقتهم بالأكل وببعض الحيوانات فتلك عادات لا علاقة لها بالدين. وإنما هي ثقافة محلية موروثة ، فيها معتقدات مرتبطة بالطبيعة والحيوان والأعمال.

رابعا: في ما يخص دعوى كتابة مصحف بآيات معلومات، فهو محض خيال من خيالات ابن حوقل، ولم يثبت أحد هذا الأمر بنص أو برواية شفوية حتى. كل ما في الأمر، حينما يكون هناك شعب كامل يتكلم الأمازيغية، فإن ضرورة ترجمة القرآن الكريم إلى لغة القوم تصبح ملحة. الأمر بهذا الشكل وإلا كان القريب والبعيد على علم بكتاب ديني بورغواطي.

خامسا: كل أمراء بورغواطة حكموا عقودا طويلة، ولم يسجل أحد ثورات ضدهم؛ كما أن سلوك أغلبهم كان يتصف بالزهد والعفة والنسك والورع والتدين والحكمة والدهاء وذلك بشهادة ابن حوقل والبكري في أوصاف متفرقة.

وفي ختام محاضرته التي استمرت أزيد من ساعة، دعا شعيب حليفي الباحثين الجامعيين إلى الانكباب على هذا الإرث الثقافي والتاريخي ليكون جزءا من الصيرورة الثقافية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *