سحب قانون الإثراء غير المشروع: هل تتحول قرينة البراءة إلى ذريعة لتعطيل محاربة الفساد؟
اعاد قرار سحب مشروع قانون الاثراء غير المشروع الى الواجهة واحدا من اكثر الاسئلة حساسية في النقاش العمومي المغربي اين تنتهي حماية الحقوق الفردية واين تبدا مسؤولية الدولة في صيانة المال العام فالحدث في جوهره لا يتعلق بمادة قانونية معزولة بقدر ما يعكس تصورا كاملا لطبيعة الاصلاح وحدوده ولسقف الجرأة السياسية في مواجهة الفساد
لقد جرى تسويق السحب بوصفه انتصارا لقرينة البراءة باعتبارها مبدا دستوريا لا يقبل المساومة غير ان هذا التبرير على وجاهته النظرية يظل اشكاليا حين يستعمل خارج سياقه الطبيعي فقرينة البراءة وجدت لحماية الافراد من تعسف الدولة لا لحماية الدولة من مساءلة المجتمع ولا لتحصين المسؤول العمومي من اسئلة مشروعة حول مصادر ثروته ان الخلط بين المبدا والوظيفة يفضي عمليا الى تعطيل ادوات المحاسبة بدل ترشيدها
في هذا السياق برزت تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي كمرتكز اساسي في خطاب التراجع حيث اعتبر ان تجريم الاثراء غير المشروع في الصيغة المقترحة يمس بجوهر قرينة البراءة ويطرح اشكالات دستورية معقدة غير ان هذا الموقف وان اتكا على لغة قانونية لم يقابله اجتهاد تشريعي بديل يوفق بين الضمانات والفعالية فالتحفظ حين لا يترجم الى اقتراح يتحول من حرص مشروع الى تعطيل فعلي
ان الاثراء غير المشروع في التجارب المقارنة لا يؤسس على الادانة المسبقة ولا على قلب عبء الاثبات بشكل اعتباطي بل على مبدا الشفافية المرتبط بالوظيفة العمومية فالمسؤول بحكم موقعه ونفوذه لا يعامل معاملة الشخص العادي لان السلطة التي منحت له تفرض مستوى اعلى من الرقابة ومن هذا المنظور يصبح التصريح بالممتلكات وتفسير نمو الثروة التزاما قانونيا واخلاقيا لا مساسا بالحرية الفردية
اللغة النقدية تفرض القول ان سحب القانون بعث برسالة سياسية مقلقة مفادها ان محاربة الفساد ما تزال رهينة الحسابات وان الارادة الاصلاحية تتراجع كلما اقترب النقاش من البنية الصلبة للسلطة والمال فبدل ان يكون القانون اداة لكسر منطق الافلات من العقاب جرى تاجيله باسم مخاوف نظرية كان بالامكان معالجتها بصياغة ادق لا بسحب النص من اساسه
الاخطر من ذلك ان استدعاء قرينة البراءة بهذا الشكل الانتقائي يفرغها من بعدها الحقوقي ويحولها الى غطاء لغوي انيق لتجميد الاصلاح فالدولة القوية لا تقاس بعدد المبادئ التي ترفعها في الدساتير بل بقدرتها على ترجمتها الى قوانين متوازنة تحمي الحقوق دون ان تفرط في المصلحة العامة
في المحصلة لا يكمن جوهر الخلاف في قانون اجل او سحب بل في نموذج الحكامة الذي يجري تكريسه فاما دولة تعتبر الشفافية شرطا للثقة والمساءلة اساسا للشرعية او دولة تكتفي بخطاب الاصلاح بينما تظل اليات المحاسبة مؤجلة الى اشعار غير معلوم وبين هذا وذاك تبقى ثقة المواطن هي الخاسر الاكبر

