الذكاء الإصطناعي يقتحم غرف الأخبار : بين دقة الخوارزميات و تحيز الإنسان..من يكتب الحقيقة ؟
لم يعد الذكاء الإصطناعي مجرد أداة مساعدة في جمع الأخبار أو تحليل البيانات، بل تحول اليوم إلى لاعب أساسي يعيد رسم ملامح الصحافة الحديثة ويهز أسس المهنة التقليدية من جذورها.
فبين من يراه ثورة تكنولوجية تعزز المصداقية و السرعة، ومن يحذر من تحيز الخوارزميات و طمس صوت الإنسان، تقف الحقيقة في مفترق طرق معقد بين البرمجة و المبادئ.
في كبريات المؤسسات الإعلامية حول العالم، أصبحت البرامج الذكية تكتب التقارير المالية، و تحرر الأخبار العاجلة في ثوانٍ، بل و تنتج مقاطع الفيديو بتقنيات “الذكاء التوليدي” دون تدخل بشري مباشر.
هذه السرعة الخارقة مكّنت القنوات و الصحف من تغطية الأحداث في لحظتها، و منحت الجمهور جرعة آنية من المعلومة. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه : هل ما نقرأه اليوم هو فعلاً ما حدث، أم ما قرر الخوارزم أن يعرضه علينا ؟
الذكاء الإصطناعي لا يخلو من التحيز، لأن خوارزمياته تُبنى على بيانات بشرية مليئة بإنحيازات سابقة.
و عندما تصبح هذه الخوارزميات محررة و محللة و صانعة للخبر، فإنها قد تعيد إنتاج نفس أنماط التحيز، و لكن بلبوس علمي وتقني يصعب إكتشافه. لهذا، يتخوف كثير من الصحفيين و الباحثين من أن تتحول الصحافة إلى مرآة لما يريده الذكاء الإصطناعي، لا لما يعيشه الواقع فعلاً.
في المقابل، يرى مؤيدو الثورة الرقمية أن الذكاء الإصطناعي يمكن أن يكون حليفاً للشفافية، إذا ما إستُخدم بوعي و مسؤولية. فهو قادر على كشف الأخبار الزائفة، و تحليل ملايين الوثائق في دقائق، و مساعدة الصحفيين على التحقيق العميق بدل الإكتفاء بالسطحيات. و مع وجود ضوابط أخلاقية و مراقبة بشرية صارمة، يمكن تحويله إلى رافعة مهنية لا إلى خطر وجودي.
في النهاية، يبقى التحدي الحقيقي هو تحقيق توازن ذكي بين العقل البشري و الآلة، بحيث لا تفقد الصحافة جوهرها الإنساني في زحمة الأكواد و الخوارزميات. فالمستقبل الإعلامي لن يكون ملكاً لمن يملك أسرع برنامج، بل لمن يستطيع أن يجعل من الذكاء الإصطناعي شريكاً في قول الحقيقة، لا خصماً لها.

