400 درهم “للنعجة”… سياسة أم صدقة جارية؟

400 درهم “للنعجة”… سياسة أم صدقة جارية؟
بقلم: سعيد حفيظي

أعلنت الحكومة، ممثلة في وزير الفلاحة، عن تقديم دعم مباشر بقيمة 400 درهم لكل رأس من إناث الماشية، في خطوة وُصفت بأنها تهدف إلى الحفاظ على القطيع الوطني ومواجهة آثار الجفاف المتكرر. خطوة تُقدَّم في ظاهرها كإنقاذ، لكنها في عمقها تكشف عما هو أخطر: نموذج فلاحي مختل، وسياسات لا تعالج الجذر، بل تكتفي بمسكنات ظرفية.أنا لا أقلل من وقع الجفاف ولا من تأثير التغيرات المناخية، فالمُعاناة التي يعيشها مربو الماشية، خاصة في المناطق الجبلية والقروية المهمشة، حقيقة يعرفها كل من وطأت قدماه قرية مغربية. لكن ما لا أستوعبه هو أن تتحرك الدولة فقط حين يوشك القطيع على الاندثار، وكأننا لا نعيش منذ سنوات على وقع أزمة متصاعدة في هذا القطاع الحيوي.
هل يستقيم العود والفرع مائل؟منذ سنوات، ونحن نحذر من سياسة فلاحية تُغدق على التصدير وتُقصي الفلاح الصغير. تُمنح آلاف الهكتارات لأباطرة الفلاحة التصديرية، وتُضخ مليارات في سلاسل إنتاج البرتقال والطماطم والأفوكا، بينما يظل الراعي والمزارع البسيط في جبال الأطلس أو سهول الرحامنة يواجه الجفاف بوسائل القرون الوسطى.الآن، بعد أن ضاقت الحلقات، قررت الدولة أن تُنقذ الموقف عبر ترقيم الماشية ومنح 400 درهم مقابل كل رأس أنثى تُحفظ من الذبح. لكن من قال إن الفلاح يذبح إناثه حباً في اللحم؟ إنه يذبح لأن لا علف له، ولا قدرة على الشراء، ولا أفق للاستمرار.
منطق البيروقراطية لا يُنتج قطيعاً أن تُربط المساعدة بعملية “ترقيم إلكتروني” تُشرف عليها لجان، وتُوكل للسلطات المحلية، وتُقننها أنظمة معلوماتية، فذلك أقرب إلى عقلية المراقبة منه إلى روح الدعم الحقيقي. هذا المنطق يعكس ذهنية الدولة التي ترى في الفلاح مجرد “ملف” يحتاج إلى تتبع، لا فاعلاً اقتصادياً يستحق التمكين.أليس من الأجدى أن تُوفَّر الأعلاف بأسعار في متناول اليد؟ أن يُضبط السوق من جشع السماسرة؟ أن تُنشأ تعاونيات قوية تدعم الإنتاج المحلي؟ أن يُمنح الفلاح شبكة أمان اجتماعي حقيقية بدل أن يتحول إلى متسوّل للدعم الموسمي؟400 درهم… كافية لمن؟400 درهم لرأس من الماشية تبدو مغرية على الورق، لكنها في الواقع لا تكفي لتغطية تكلفة العلف لشهر واحد. نحن نتحدث عن موسم جفاف، عن فقدان مصادر الكلأ الطبيعي، عن مرض منتشر، عن ديون متراكمة، عن بنية تحتية معدومة في أغلب القرى. فهل يمكن لهذا المبلغ، مهما تضاعف، أن يُعالج كل ذلك؟ أم أن الحكومة تراهن على الوقت والنسيان، كما تفعل في ملفات كثيرة؟
أي قطيع نريد؟السؤال الحقيقي اليوم ليس كم عدد النعاج التي سنرقمها أو ندعمها، بل أي قطيع نريد؟ هل نريد قطيعاً صغيراً هشاً تابعاً لدورة الدعم العمومي، أم نريد منظومة إنتاج حقيقية تستند إلى العدالة في توزيع الموارد، إلى تمكين الفلاحين، إلى شراكة جادة بين الدولة والمواطنين؟ إذا كانت الدولة جادة في “إعادة تشكيل القطيع الوطني”، فلتبدأ أولاً بإعادة تشكيل تصورها لهذا القطيع: ليس فقط كأرقام، بل كرمز للسيادة الغذائية، وكقطاع يشغّل مئات الآلاف من الأسر، وكقاعدة للاستقرار الاجتماعي في العالم القروي.الدعم المباشر لمربي الماشية ضروري، نعم. لكن يجب أن لا يتحول إلى قناع يُخفي فشل السياسات الزراعية. المطلوب ليس صدقة، بل رؤية. المطلوب ليس ترقيم النعاج، بل استعادة كرامة الفلاح. فبدون ذلك، سنبقى ندور في نفس الحلقة: جفاف، أزمة، دعم، ثم نسيان… حتى تنقرض النعاج، وينقرض معها الأمل.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *