من الشعار إلى الفعل: كيف نُحوّل مطالب الشباب إلى مشاريع حقيقية؟

من الشعار إلى الفعل: كيف نُحوّل مطالب الشباب إلى مشاريع حقيقية؟

بقلم: الدكتور طلوع عبدالإله – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

تتردد مطالب الشباب في كل منبر، في الشارع، وفي العالم الرقمي، وفي اللقاءات الحزبية والمدنية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا تبقى هذه المطالب عالقة في مستوى الخطاب دون أن تتحوّل إلى فعلٍ مؤسّس؟

هل لأن المؤسسات لا تُصغي بما يكفي؟ أم لأن الشباب أنفسهم لم يجدوا بعد القنوات القادرة على ترجمة أفكارهم إلى مشاريع قابلة للحياة؟

إنّ الحديث عن الشباب لا يجب أن يُختزل في الخطابات التحفيزية أو المناسبات الرسمية، بل في هندسة سياسات عمومية تُحوّل المطالب الواقعية إلى برامج عملية.

 فحين يطالب الشباب بالشغل، هل نتحدث فقط عن التشغيل كرقمٍ في الميزانية، أم عن بناء اقتصادٍ اجتماعي جديد يفتح المجال للمبادرات الذاتية؟ وحين يطالبون بالتعليم الجيد، هل نكتفي بالشعارات البراقة أم نُراجع بجرأة المناهج التي تُدرّب على الطاعة بدل الإبداع؟

تحويل مطالب الشباب إلى مشاريع ليس عملاً تقنياً فحسب، بل خيار سياسي واستراتيجي يتطلب إرادة في جعل الشباب جزءًا من القرار لا مجرد موضوعٍ له.

 فهل نمنحهم مواقع للتأثير، أم نُبقيهم في دائرة التهميش باسم “قلة الخبرة”؟ أليس من الممكن أن نعيد بناء الثقة عبر آليات تشاركية حقيقية تُتيح للشباب المساهمة في صياغة البرامج بدل انتظارها جاهزة؟

إنّ أول خطوة في تحويل المطالب إلى مشاريع هي الاعتراف بشرعية الصوت الشبابي، لا كضجيج احتجاجي، بل كقوة اقتراحية قادرة على الإبداع والتغيير، فالشباب اليوم لا يطلبون المستحيل، بل فقط أن تُؤخذ أفكارهم بجدية.

 أليس غريبًا أن تتحول مبادرات شبابية بسيطة في الأحياء والمراكز إلى مشاريع ناجحة حين تجد فقط من يُصغي؟

الخطوة الثانية تتمثل في مأسسة الحوار بين الدولة والمجتمع المدني والحركات الشبابية، لأن غياب القنوات الرسمية يجعل الطاقة الشبابية تتبدد في الشكوى أو الهجرة.

فهل نملك اليوم مؤسسات وسيطة فعّالة قادرة على ترجمة مطالب الشباب إلى سياسات عمومية قطاعية؟

أما الخطوة الثالثة فهي التمويل والدعم المواكب، فالكثير من الأفكار تموت لأنها لم تجد إطارًا يحتضنها. لماذا لا يُوجّه جزء من صناديق التنمية الجهوية نحو دعم مشاريع شبابية محلية صغيرة، تُدار بشفافية ومحاسبة؟ أليست التنمية الحقيقية هي التي تنطلق من الفاعلين المحليين لا من المكاتب المركزية؟

ويبقى العنصر الحاسم هو الثقة: الثقة في الشباب كقوة اقتراح لا كعبء اجتماعي.

 فبغير هذه الثقة لن تنفع الاستراتيجيات ولا البرامج. المطلوب اليوم هو أن نمنح الشباب فرصة الفعل لا فرصة التصفيق، وأن نُربّي فيهم حسّ المواطنة المشاركة لا المواطنة المنتظرة.

إنّ المستقبل لا يُبنى بالنيات بل بالمؤسسات، ولا يُصنع بالخطب بل بالمشاريع.

 ولذلك فالسؤال المفتوح أمامنا جميعًا هو: هل نحن مستعدون لأن نُصغي حقًا إلى ما يقوله الشباب، لا إلى ما نريد نحن أن نسمعه؟

حين نصل إلى هذه المرحلة من الصدق، يمكن أن يتحوّل المطلب إلى مشروع، والحلم إلى واقعٍ قابل للقياس، والشباب من موضوعٍ للسياسة إلى صُنّاعٍ لها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *