هل نسي صناع القرار أن في المغرب مناطق تُعاني؟

في كل مرة تنفجر فيها احتجاجات في إحدى قرى المغرب العميق، يسارع الإعلام إلى الحديث عن “حالة معزولة”، بينما تتحرك السلطات بأسلوب إدارة الأزمة لا بحكمة الدولة، غير أن ما يقع في آيت بوكماز، وفي غيرها من المناطق المنسية، ليس طارئًا ولا استثناءً، بل هو نتيجة طبيعية لمسار طويل من الإقصاء التنموي وانعدام العدالة المجالية.
لقد صوّت المغاربة في 2011 على دستور منح الجهات، ولأول مرة، مكانة مركزية في مسار التنمية. ومن أبرز ما جاء فيه، الفصل 142، الذي نصّ صراحة على إنشاء صندوق للتأهيل الاجتماعي، هدفه معالجة التفاوتات و”رفع الحيف عن المناطق المحرومة”.
لكن، بعد أكثر من عقد، لا وجود لهذا الصندوق إلا في نص جامد، وكأن الدستور مجرد واجهة برّاقة تخفي خلفها واقعًا أقل عدالة.
الفصل 142 ليس مجرد نص تقني داخل بنية دستورية، بل هو تعبير عن وعد سياسي ـ اجتماعي كبير، قُدِّم للمواطن المغربي بعد حراك اجتماعي طالب بكرامة وحقوق أكثر توازنًا.
وإذا كان بعض المسؤولين اليوم يتحدثون عن التنمية بإسهاب، فإنهم غالبًا يتجنبون الحديث عن الالتزامات الدستورية غير المُفعّلة، وعلى رأسها هذه الأداة المالية التي كان من المفروض أن تعيد توزيع فرص العيش الكريم بين الجهات.
ما وقع في آيت بوكماز ليس مفاجئًا، حين يُترك سكان منطقة جبلية بلا طرق، بلا مستشفى، بلا مدرسة تليق بفلذات أكبادهم، ثم يُطالَبون بالصبر والهدوء، فإن الدولة تكون قد أخلّت بعقدها مع مواطنيها. الدولة لا تُقاس فقط بعدد مشاريعها الكبرى، بل بكيفية تعاملها مع المناطق الصغرى، تلك التي لا تُصدر “البروتوكولات”، لكنها تحتضن مغاربة كاملي المواطنة.
المفارقة أن المغرب لا يفتقر إلى الإمكانيات، بل إلى ترتيب الأولويات. ما يُنفق في بعض المجالات التكميلية كافٍ لتغيير وجه قرى بأكملها. لكن الغائب دومًا هو صندوق التأهيل الاجتماعي، الغائب بحضوره، الحاضر بغيابه، الصامت وسط زحام الشعارات.
هل تحتاج الحكومة إلى احتجاجات كل مرة لتكتشف أن هناك مواطنين يعيشون على هامش الدولة؟ وهل ننتظر كل مرة أن يخرج الأطفال حفاة، والنساء مريضات، والعجزة محبطين، كي نفكر في تطبيق ما نص عليه الدستور؟ أم أن مشكلتنا الأعمق ليست في الإمكانيات، بل في الشجاعة السياسية؟
لقد آن الأوان لطرح السؤال بوضوح: من يعرقل تفعيل هذا الفصل؟ ومن المستفيد من بقاء المغرب موزعًا بين جهات تعيش الرفاه، وجهات بالكاد تحيا؟
إن الالتفاف على الفصل 142 هو التفاف على جوهر العدالة، وعلى روح الجهوية المتقدمة، وعلى أفق الدولة الاجتماعية التي يُفترض أن تشكل أحد ملامح مغرب المستقبل.
من غير المقبول أن يتحول الصندوق الاجتماعي إلى حلم، والدستور إلى أمنية، والوطن إلى معادلة قائمة على الصدفة الجغرافية.
فإما أن ننتصر للعدالة المجالية، أو نواصل إنتاج الأزمات في صيغ جديدة، حيث كل صمتٍ مؤقت يخفي غضبًا مؤجلًا.