ميكرو “الفضيحة”… حين يتحوّل التلميذ إلى محتوى للاستهلاك الساخر

في كل موسم امتحانات، يتجدد المشهد أمام أبواب الثانويات المغربية: تلاميذ وتلميذات خارجون من قاعات الامتحان بوجوه منهكة، وميكروفونات منصوبة في الأفق كالأفخاخ، تبحث عن “لقطة” عفوية، أو زلة لسان طريفة، أو تصريح خارج عن المألوف، لتُحشَر سريعًا في خانة “المحتوى الترفيهي”.
لكن خلف تلك الثواني المعدودة من الفيديوهات المنتشرة، قصة صامتة لا يراها الكثيرون: مراهقون يتحولون بقدرة “مونتاج” واستهزاء جماعي إلى رموز للسخرية، إلى “ميمز” و”طرولات” لا تنتهي، إلى وجوه مشوّهة تتناقلها المنصات كلما جاء ذكر المدرسة أو التلميذ المغربي، فما يُبث من باب “الضحك البريء”، ينتهي إلى تنمّر جماعي، ومواقف محرجة، وعُقد نفسية طويلة الأمد.
ما يعتبره البعض “تصريحات تلقائية” لا يخرج غالبًا عن نية حسنة أو تلقائية يفرضها العمر والضغط والارتباك، لكن الفضاء الرقمي لا يرحم. فكل لقطة يمكن أن تصبح “ترندًا”، وكل كلمة يمكن أن تتحول إلى لعنة رقمية تلازم صاحبها في دراسته، ومحيطه، وحتى في فرصه المهنية مستقبلاً، إنها عفوية قاتلة، حين يُلتقط التلميذ في أضعف لحظاته، ويُقدَّم كمادة ضاحكة بلا سياق، بلا توجيه، بلا وعي بآثار ما بعد النشر.
الخطير في الأمر أن عدداً من صُنّاع هذا المحتوى يبرّرون فعلهم بأنهم “ينقلون نبض الشارع”، أو “يعكسون آراء الشباب”، بينما هم في الحقيقة يكرّسون صورة مشوهة عن المدرسة العمومية، ويُسهمون في تسليع الجهل والتلميذ على السواء، فالميكرو الذي لا يخضع لأي ضوابط تحريرية أو أخلاقية، لا يختلف كثيراً عن الكاميرا الخفية حين تتحول إلى أداة إذلال واستغلال.
إن المراهق، مهما بدا صوته ساخرًا أو “خارج النص”، يظل في حاجة إلى الحماية لا إلى التعرية. يظل في حاجة إلى تربية إعلامية، لا إلى استدراجه نحو فخ الرقمنة السطحية، فمن يضحك على تلميذ اليوم، قد يكون سببًا في ضياع مستقبله غدًا، دون أن يشعر.
أليس من المثير للقلق أن يصبح عدد من هؤلاء التلاميذ من رموز “الطرولات” الرقمية؟ أن تتحول مقاطعهم إلى أدوات تداول شبه موسمية؟ أن يُصبح وجههم علامة على “الفشل” أو “الجهل” أو “الكسل”؟
إننا لا نواجه فقط ظاهرة رقمية عابرة، بل نمطًا من العنف الرمزي الذي يُمارَس باسم الحرية والمحتوى، في غياب كامل للضمير التربوي أو المهني.
فمن غير المقبول أن نترك تلميذًا في مرحلة حساسة من نموه، فريسة لمنصات تبحث عن الإثارة، لا عن التربية. ومن غير اللائق أن نغض الطرف عن هذا النوع من الانحدار الإعلامي الذي يعيث في الأرض فسادًا تحت غطاء “التفاعل”.
لذلك، فإن الواجب اليوم مزدوج: على صُنّاع المحتوى أن يراجعوا ضميرهم المهني، وأن يبتعدوا عن مداخل الثانويات ومخارج الامتحانات؛ فالميكروفون ليس تصريحًا بالاستباحة.
وعلى التلاميذ أيضًا أن يُدركوا أن كل تصريح عفوي قد يتحول إلى فضيحة، وكل ضحكة سريعة قد تُنبت لهم عقدًا نفسية طويلة الأمد.
إن الكرامة لا تُختصر في جواب، ولا تُضحَّى بها من أجل لايكات.