من المسيرة إلى الوحدة… ميلاد زمن مغربي جديد
في تاريخ الأمم، لحظات لا تمر كغيرها، بل تُغير الإيقاع وتعيد ترتيب المعاني. ومن هذه اللحظات الفارقة، يأتي قرار جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بإقرار عيد الوحدة يوما وطنيا خالدا في سجل الذاكرة المغربية. قرار يفتح صفحة جديدة في ملحمة الوطن، من المسيرة الخضراء إلى المسيرة الكبرى نحو التوحيد الوطني.
لقد اختار جلالته يوم 31 أكتوبر رمزا لما تحقق من تحول في مسار قضيتنا الوطنية، بعد صدور القرار الأممي رقم 2797/2025، الذي حمل اعترافا ضمنيا بشرعية المقترح المغربي للحكم الذاتي، وأغلق الباب أمام أوهام الانفصال والمزايدات الإيديولوجية البائدة. إنه ليس يوما مضافا إلى تقويم الدولة، بل محطة مفصلية في تاريخ السيادة المغربية، إعلان عن زمن جديد عنوانه: “الوحدة في ظل الشرعية”.
فمن المسيرة الخضراء التي استرجعت الأرض، إلى عيد الوحدة الذي يرسخ التوحيد، تمتد خيوط الملحمة المغربية كجديلة من الإيمان والعقل والحكمة. الأولى كانت تحريرا جغرافيا، والثانية توحيدا سياسيا ورمزيا، كلاهما ينتمي إلى منطق الأمة الواحدة التي لا تقبل التجزئة.
إن الدلالة العميقة لعيد الوحدة تتجاوز الطابع الاحتفالي إلى ترسيخ وعيٍ وطنيٍّ جديد، يُدرك أن معركة المغرب اليوم ليست معركة جغرافيا فحسب، بل معركة بناء وتنمية وعدالة ترابية.
فالوحدة لا تُقاس بالحدود، بل بالعدل بين الجهات، وبالكرامة التي يشعر بها المواطن في أقصى الصحراء كما في قلب العاصمة.
وفي لحظة الإعلان الملكي، بدا واضحاً أن المغرب ينتقل من مرحلة “الاعتراف” إلى مرحلة “التثبيت”. فالدولة لم تعد في موقع الدفاع عن سيادتها، بل في موقع المبادر إلى صياغة سرديتها الوطنية بلغة القانون الدولي والشرعية التاريخية. المغرب الجديد لا يطلب الاحترام، بل يفرضه بهيبة الموقف ووضوح الرؤية.
كما أن المقتضى المولوي القاضي بحصر الخطابات الملكية في مناسبتين رسميتين – عيد العرش وافتتاح السنة التشريعية – يعكس إعادة ضبط للعلاقة بين الرمزية والفعالية. فالكلمة الملكية تصبح حدثاً نادراً، محمّلا بالدلالات، يعمّق التواصل الاستراتيجي بين العرش والشعب، دون أن يُغلق الباب أمام الخطاب الاستثنائي حين تدعو إليه المصلحة العليا للوطن.
إن “عيد الوحدة” هو لحظة تتويج لمسار طويل من النضال السياسي والدبلوماسي، وهو في الآن ذاته بداية لمرحلة بناء الوعي الوطني الجديد، حيث الوحدة ليست شعاراً بل ممارسة يومية، وحيث المواطنة تتجسد في العمل، لا في الترديد.
من “المسيرة الخضراء” إلى “عيد الوحدة الغراء”، خطّ المغرب طريقه بين ملحمتين: الأولى صنعت التاريخ، والثانية تصنع المستقبل. وبينهما خيط متين من الوفاء لروح الوطن، ومن الإيمان بأن السيادة لا تُمنح، والوحدة لا تُشترى، والكرامة لا تُؤجل.
إنها صفحة جديدة في كتاب الأمة، يكتبها المغاربة اليوم بمداد الانتماء واليقين، تحت راية واحدة وشعار خالد: الله، الوطن، الملك.


لاحظت أن الحشرات تظهر أكثر في الفترات الحارة بعد هطول أمطار بسبب تراكم المياه؛ إجراءات كشف التسربات والعزل تمنع ذلك. للدليل المتكامل اقرأ المقال.