من الانكسار إلى محاولة النهوض: قراءة في مؤتمر حزب العدالة والتنمية

بعد الهزيمة الثقيلة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2021، ساد شعور عام بأن الحزب قد دخل مرحلة الأفول السياسي، وأنه فقد عناصر القوة التنظيمية التي كانت تميزه لعقود. غير أن المؤتمر الوطني الأخير للحزب، الذي جرت فعالياته وسط ترقب سياسي واسع، أثبت أن المشهد أكثر تعقيداً مما اعتقده البعض.
لقد أظهر المؤتمر أن الحزب يمتلك قدرة كامنة على إعادة إنتاج نفسه، مستفيداً من بنيته التنظيمية العميقة، ومن حضور رموزه القيادية التاريخية.
وعلى الرغم من اختلافي معه سياسياً وفكرياً وإيديولوجياً، فإن القراءة الموضوعية تفرض الاعتراف بأن ما وقع يستحق وقفة تحليلية متأنية.
—
أولاً: نجاح المؤتمر وانتخاب بن كيران… الخيار الوحيد الممكن
كان انتخاب عبد الإله بن كيران أمينًا عامًا للحزب أمراً منتظراً وطبيعياً في ظل الظرفية الراهنة. بن كيران، بحضوره الكاريزمي وقدرته الخطابية الاستثنائية، بدا الخيار الوحيد القادر على إعادة الروح والزخم لحزب وجد نفسه في مواجهة أسئلة وجودية بعد الهزيمة.
خلافاً لما تم الترويج له من احتمال ضعف المشاركة أو تراجع الحماسة، عرف المؤتمر نجاحاً لافتاً، سواء من حيث حجم الحضور، أو من حيث الانضباط التنظيمي والنقاشات الداخلية الجادة.
وقد كانت عودة بن كيران تحمل في طياتها رسالة مزدوجة: التشبث بالهوية الأصلية للحزب، والرهان على إعادة بناء الثقة مع قاعدته الاجتماعية.
ثانياً: عودة الرموز واستعادة الهوية النضالية
من معالم هذا المؤتمر اللافتة، عودة عدد من رموز الحزب التاريخيين إلى الواجهة السياسية والتنظيمية: لحسن الداودي، جميلة المصلي، سليمان العمراني، عبد الله بوانو، عبد العالي حامي الدين، وعبد العزيز أفتاتي وغيرهم.
عودة هؤلاء لم تكن مجرد تكرار للوجوه، بل تعبير عن استعادة الذاكرة النضالية والشرعية الرمزية التي يحتاجها الحزب في هذه المرحلة.
وإن كنت أختلف مع العدالة والتنمية في منطلقاته الفكرية وخياراته السياسية، فإنه لا يمكن إنكار أن الحزب يظل، مقارنة بغيره، أكثر الأحزاب المغربية تنظيمًا ووضوحًا في الرؤية، ما يجعل حضوره داخل المشهد الحزبي ضرورة لفهم توازنات السياسة المغربية.
هذا الحضور التنظيمي المتماسك يضع الحزب في موقع قوة نسبية ضمن معادلة إعادة تشكيل الخريطة السياسية المقبلة.
ثالثاً: أفق 2026… عودة التوهج السياسي المرتقب
من خلال أجواء المؤتمر، والروح التي بثت فيه، يبدو أن حزب العدالة والتنمية بصدد استعادة جزء مهم من توهجه، وقد يكون قادراً على العودة إلى مصاف الأربعة الأوائل في الانتخابات المقبلة سنة 2026.
هذا السيناريو ليس مستحيلاً، خاصة إذا نجح الحزب في تطوير خطابه السياسي ليتلاءم مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغرب، دون أن يفقد خصائصه الأساسية التي ميزته عن غيره.
ولعل النقطة الحاسمة في هذا المسار ستكون قدرته على تجاوز خطاب الضحية، وبناء خطاب واقعي قادر على إقناع فئات واسعة من الناخبين من جديد.
ختاما: إن القراءة المتأنية لمؤتمر العدالة والتنمية تكشف عن مفارقة عميقة: الهزيمة القاسية لم تكن نهاية القصة، بل بداية كتابة فصل جديد من فصول النضال السياسي.
لقد نجح الحزب، خلافًا لكل التوقعات المتشائمة، في أن يؤكد أنه ما زال فاعلاً حقيقياً في الحقل الحزبي المغربي.
ورغم اختلافنا السياسي والفكري معه، يظل من الإنصاف الإقرار بأنه حزب حي، متجذر في الواقع الاجتماعي، وقادر على إعادة رسم جزء من المشهد السياسي مستقبلاً.
إن حزب العدالة والتنمية أثبت أنه حزب سيُحسب له ألف حساب في قادم الاستحقاقات، وأن من يستهين بقدرته على التكيف والعودة قد يقع في خطأ التقدير السياسي مجددًا.