مدينة إبن أحمد بين مطرقة النخب وسندان السلطة

مدينة إبن أحمد بين مطرقة النخب وسندان السلطة
بقلم:سعيد حفيظي

من يتأمل واقع مدينة ابن أحمد بإقليم سطات، يدرك سريعًا أن هذه المدينة المتجذرة تاريخيًا والمتميزة ديموغرافيًا تعيش حالة اختناق حاد على مختلف الأصعدة: اقتصاديًا، اجتماعيًا، وثقافيًا. اختناقٌ لا يُمكن تفسيره فقط بعوامل موضوعية كالخصاص في الموارد أو الموقع الجغرافي، بل أساسًا بسبب الصراع القائم بين النخب السياسية المحلية، من جهة، وسلطة الوصاية من جهة أخرى. وهو صراع جعل من التنمية رهينة أجندات ضيقة ومقاربات سلطوية متجاوزة.

من المفترض أن تكون النخب السياسية صوت المواطنين والمدافع عن مطالبهم وتطلعاتهم نحو واقع أفضل. غير أن الواقع في ابن أحمد يكشف عن نخب مشغولة أساسًا بتدبير مصالحها الخاصة، غارقة في منطق التموقعات الحزبية الضيقة، بعيدة كل البعد عن الهمّ التنموي الحقيقي للمدينة.

وتتجلى مظاهر عجز هذه النخب في غياب برامج تنموية واضحة المعالم، وافتقارها لرؤية إستراتيجية قادرة على النهوض بالمدينة. كما أن ضعف التنسيق فيما بينها، وتهافتها على الامتيازات السياسية والاقتصادية المحدودة، جعلاها عاجزة عن تشكيل قوة اقتراحية قادرة على فرض إصلاحات حقيقية على طاولة النقاش المحلي.
في المقابل، تواصل السلطة الإدارية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، انتهاج أسلوب تدبيري فوقي قائم على التحكم والمراقبة أكثر من تشجيع المبادرة والانفتاح. هذه السلطة تنظر غالبًا إلى الحراك السياسي والمدني بعين الريبة، فتسعى إلى احتوائه أو إضعافه بدل مواكبته والاستفادة من ديناميته.
لقد أظهرت العديد من المحطات ضعف مقاربة السلطة لمطالب الساكنة، سواء تعلق الأمر بالبنية التحتية المتدهورة، أو القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم، أو حتى غياب الفضاءات الثقافية والرياضية. إذ أن التعاطي مع هذه الإشكالات يتم بمنطق “رد الفعل” لا “مقاربة الفعل”، مما يرسخ الإحساس بالتهميش لدى السكان.
إن ما تعيشه مدينة ابن أحمد اليوم هو نتيجة حتمية لصراع عبثي:
نخب سياسية عاجزة عن بلورة مشروع مجتمعي جامع.
سلطة إدارية مترددة بين التدخل والانسحاب، تارة تمسك بزمام الأمور بقوة، وتارة أخرى تتخلى عن مسؤوليتها بدعوى احترام “الشرعية الانتخابية”.
وفي خضم هذا الصراع، تبقى المدينة رهينة الجمود، وتزداد الهوة بين تطلعات المواطنين والواقع المعيشي اليومي.
إن الخروج من هذه الوضعية يتطلب، أولاً، إعادة بناء المشهد السياسي المحلي على أسس جديدة: الكفاءة، النزاهة، والقدرة على التأثير الإيجابي. كما أن على السلطة أن تراجع مقاربتها للعلاقة مع الفاعلين المحليين، باعتماد منطق التشاركية والديمقراطية التشاركية بدل الرهان على التحكم والوصاية.
مدينة ابن أحمد بحاجة إلى مشروع تنموي شامل، يُدمج مختلف الفاعلين السياسيين، الاقتصاديين، والمدنيين، في رؤية موحدة هدفها إعادة الاعتبار للمدينة وكرامة مواطنيها. فلا يمكن لأي تنمية أن تنجح في مناخ يغيب فيه الحوار وتغلب فيه المصالح الذاتية على المصلحة العامة.
إن الرهان اليوم هو على وعي الساكنة، وضغط المجتمع المدني، من أجل فرض إيقاع جديد، يعيد رسم العلاقة بين السياسة والسلطة على قاعدة خدمة المصلحة العامة لا حماية المصالح الضيقة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *