محمد الغلوسي يكتب..وزير العدل بين سَطوة القَسَم وسُلطان الفساد: انكسار الدستور وهيبة الوطن

محمد الغلوسي يكتب..وزير العدل بين سَطوة القَسَم وسُلطان الفساد: انكسار الدستور وهيبة الوطن

في مشهد يفيض بالغرابة والتناقض، وقف وزير العدل أمام لجنة العدل والتشريع، ليُقدّم قَسماً، ليس للدفاع عن العدالة أو حماية مصالح الشعب، بل قَسماً يحمل في طيّاته نوايا مضمرة لتكبيل أيدي المجتمع والجمعيات، ومنعها من التبليغ عن جرائم الفساد. قَسَمٌ يُقيّد النيابة العامة في مواجهة لصوص المال العام، ويدفع باتجاه منح الامتياز القضائي لرؤساء الجماعات الترابية، في محاولة لإعادة ما وصفه بـ”هيبة العمل السياسي”.

هذا القسم، كما تناقلته وسائل الإعلام، بدا وكأنه دعوة صريحة لتعليق أحكام الدستور والقانون، بل وحتى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والدفع نحو حكم عرفي غير معلن. وكأن البلاد تعيش حالة استثناء خفيّة، تتعارض مع دستور يوليوز 2011، دستور الحقوق والحريات، الذي أُسّس ليكون مرجعيةً لفصل السلطات، وتوازنها، وتعاونها، ولإعلاء صوت الديمقراطية المواطنة والتشاركية.

دستور 2011، الذي يُعلن في فصله الأول أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على فصل السلطات وتوازنها، وعلى الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، يبدو اليوم وكأنه صار حروفاً معلّقة على الورق. ففصوله التي تنص على دور البرلمان في التشريع، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية، تُقابَل بسلوك حكومي يُفرغ هذه النصوص من معناها.

الفصول 12، 13، 14، و15 من الدستور تُكرّس دور الجمعيات والمواطنين في إعداد القرارات والمشاريع، وتفعيلها، وتقييمها، بل وتقديم العرائض والملتمسات. غير أن الحكومة، عبر وزير العدل، تسعى إلى خنق هذه الأدوار وإقصاء المجتمع المدني، في تناقض صارخ مع روح الديمقراطية التشاركية.

أما البرلمان، الذي يُفترض أن يكون ممثلاً للأمة، فقد أضحى، وفق هذا النهج، مجرد غرفة تسجيل لقرارات تُصاغ في كواليس السلطة، بعيداً عن إرادة الشعب. والأدهى من ذلك أن هذا البرلمان يضمّ في صفوفه أكثر من ثلاثين نائباً متابعاً بتهم تمس الشرف والنزاهة، من قبيل الاتجار في المخدرات، وتبييض الأموال، واختلاس المال العام، والرشوة، والاتجار في البشر.

إن ما يحدث اليوم في المغرب ليس مجرد انحراف عن مسار الإصلاح، بل هو انقلاب ناعم على الدستور ومبادئه. فالحكومة التي يُفترض أن تكون خادمة للشعب، تبدو وكأنها تخدم مصالح حفنة من النافذين الذين يغرقون في مستنقع الفساد والريع وتضارب المصالح.

وزير العدل، بدل أن يكون حارساً للعدالة، يُصبح بيدقاً في يد اللوبيات التي تسعى لتقويض أركان الديمقراطية، وإضفاء الشرعية على الفساد عبر قوانين تُسنّ في غفلة من الزمن. والأغرب من ذلك هو الادعاء بأن هذه الخطوات تهدف إلى “إعادة الهيبة للعمل السياسي”، بينما الحقيقة أنها تُفرغ السياسة من أي مضمون أخلاقي وتحوّلها إلى أداة لخدمة المصالح الضيقة على حساب الأمة.

إن ما يزيد الطين بلة هو صمت الحكومة أمام موجات الغلاء والاحتكار التي تخنق المواطن البسيط، وتركها المضاربين يعبثون بأقوات الشعب دون حسيب أو رقيب. وفي الوقت ذاته، تغض البصر عن معاناة ضحايا الزلزال الذين تُركوا في الخيام لأكثر من عام ونصف، وكأنهم عالة على الوطن.

هذه الحكومة، التي تدّعي احترام الدستور، تسير في الواقع بخطى ثابتة نحو تعميق الاحتقان الاجتماعي، وصب الزيت على نار الغضب الشعبي. إنها حكومة لا تجد حرجاً في الدفاع عن الفساد، وفي الوقت ذاته تُدير ظهرها للمطالب المشروعة للشعب الذي يعاني من الفقر والتهميش والإجحاف.

ما يحدث اليوم يُهدّد الأمن والسلم الاجتماعيين، ويُعيد إلى الأذهان مشاهد من تاريخ كنا نأمل ألا يعود. حكومة تراكم الأخطاء، وتغلق أبواب الحوار، وتكرّس سياسات الإقصاء، تخاطر بمستقبل البلاد.

لكن الشعب المغربي، الذي ناضل طويلاً من أجل حقوقه، لن يقبل بالعودة إلى الوراء. فالدستور ليس مجرد وثيقة تُعلق على الجدران، بل هو ميثاق بين الحاكم والمحكوم، وأي محاولة للالتفاف عليه ستُواجَه بإرادة شعبية لا تُقهر.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *