لا جديد مع “وليد”

لا جديد مع “وليد”
مجلة 24 - إلياس الحرفوي

في عالم كرة القدم، ليست الهزيمة وحدها ما يثير القلق، بل غياب أي تطور يبعث على القلق أكثر؛ ففي كل منتخب طموح، لا يكفي أن تحكي الجماهير عن أمجاد مضت، بل يجب أن ترى ملامح المستقبل تلوح في الأفق، أما في حالة منتخبنا الوطني، فالأمر مقلوبٌ، إذ كلما مرّ الوقت، تعاظم الحنين إلى الوراء، لأن المستقبل ببساطة لا يبدو مشرقًا تحت قيادة وليد الركراكي. منذ ملحمة قطر، علقنا آمالنا على رجلٍ قاد الأسود إلى نصف نهائي كأس العالم، واعتقدنا أنه المهندس القادر على قيادة النجاح في القارة الإفريقية، إلا أن الحقيقة، وبعد مرور أكثر من عام، أن البناء لم يحرز تقدمًا يُذكر؛ إذ استمر اللعب بنفس الأسلوب الباهت، وبنفس الخطط التي تعيدنا إلى الخيبات المؤجلة، حيث يظل المنتخب بلا روح هجومية، بلا مرونة تكتيكية، وبلا شجاعة في إجراء التغييرات. تتصاعد الأمور سوءًا عندما تأتي التصريحات، التي بدلاً من أن تبث الطمأنينة، تعكس إشارات ارتباك واضحة؛ ففي كل ندوة صحفية يظهر تناقض جديد، مع نبرة دفاعية تُستفز العقول قبل الآذان، ويبدو المدرب غير قادر على تقبل النقد أو التعامل مع ضغوط الجمهور والإعلام، كأنهما مطالبان بالتصفيق حتى في أوقات التراجع. حتى في المباريات الودية، التي يُفترض أن تكون فرصة للتجريب والتطوير، لا يظهر أي أداء يُطمئن، ولا يُلاحظ تنويع في أساليب اللعب، ولا يتم البحث عن حلول تكتيكية جديدة أو توليفات مختلفة، ولا تنبعث روح تنافسية تحفز اللاعبين، مما يوحي بأن المنتخب لا يشهد أي تطور، وأن الأفكار متجمدة، وأن الوسط محاصر، والنهج التكتيكي مكشوف، والعجز في الأداء صار جليًا، فليس هناك بناء حقيقي لفريق قادر على المنافسة، ولا شخصية تُفرض على الخصوم. وفي خضم هذا الضباب، تضيع ثروة حقيقية؛ إذ يزخر المغرب بمواهب متوهجة تلعب في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتحقق مع أنديتها ألقابًا، وتُبدع في أقوى البطولات، لكنها بمجرد حضورها للمنتخب تختفي كما يخفت نور تحت طبقة من الغبار، والسبب واضحٌ في أسلوب اللعب العقيم، حيث تُقزم خطط الركراكي النجوم بدلًا من إبرازهم، وتقيّد حريتهم بدلًا من منحها، فتكرر نفس الخطوط المعطوبة دون إبداع أو تجديد. إن المغرب بلد غني بالأدوات، فهو يملك قاعدة جماهيرية عاشقة، وبنية تحتية في تطور مستمر، ولاعبين بمستوى عالمي، إلى جانب تنظيم كأس إفريقيا على أرضه في 2025، وهذه المؤشرات جميعها تُشكل فرصة ذهبية للمضي قدمًا، ولكننا نفتقر إلى مدرب يمتلك الجرأة اللازمة للتغيير الحقيقي، وهذا ما يجعل الجمهور المغربي، الذي لا يطلب معجزات، يطالب فقط برؤية منتخب يعكس طموحاته ويشعره بأننا نتقدم نحو حلم التتويج الإفريقي، لا أن نُكرر ذات الحلقة المفرغة، خاصة مع اقتراب كأس إفريقيا التي ستُقام على أرض الوطن، حيث الفرصة ذهبية، لكن مع هذا الأداء وهذه الاختيارات وهذا الجمود، يبقى السؤال: من يضمن ألا تضيع الفرصة كما ضاعت سابقًا؟ لهذا، يجب أن تكون هذه اللحظة نقطة مراجعة شاملة، ليس فقط داخل الطاقم التقني، بل أيضًا داخل دواليب القرار الكروي، لنسأل أنفسنا: هل نريد حقًا لقبًا قاريًا يُكتب بأحرف من ذهب؟ أم نُفضل الإبقاء على مدرب عالق في لحظة مجد مضت ولا يرغب في التزحزح عنها؟ في النهاية، ليست عبارة “لا جديد مع وليد” مجرد تعبير تُرددّه المقاهي وصفحات التواصل الاجتماعي، بل هي وصف دقيق لحالة التراجع المستمر التي تعيشها الكرة الوطنية، وإذا استمر هذا الإيقاع البطيء وهذه الرؤية المغلقة، فإن كأس إفريقيا 2025 قد تُقام في المغرب، لكن الكأس، للأسف، لن تبقى هنا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *