كل أنواع التجارة تحتاج إلى رؤوس أموال، إلا التجارة في الشعوب والأديان تحتاج رؤوساً فارغة…

في عالم تبنى فيه المشاريع على دراسات الجدوى وتقيم النجاحات بما تحققه من أرباح، تبقى هناك تجارة واحدة لا تحتاج إلى رأس مال بقدر ما تحتاج إلى “رؤوس فارغة” إنها تجارة الشعوب والأديان، التجارة القذرة التي يمارسها تجار الكراهية والانتهازيون والمتاجرون بالمقدس والمصلحة الوطنية، في سوق بلا ضمير ولا رقيب.
فالتجارة الحقيقية تحتاج إلى رأس مال، إلى منتج، إلى تخطيط، إلى مجازفة محسوبة، بينما “تجارة الشعوب” تقوم على زرع الانقسام، وتغذية الجهل، واستثمار الجوع والفقر والتهميش لتحريك الجموع وتوجيهها نحو أجندات مشبوهة. أصحابها لا يملكون مشروعًا وطنياً، بل يملكون قدرة عالية على دغدغة المشاعر واستثمار الأزمات لتحقيق المكاسب السياسية أو الطائفية أو الأيديولوجية.
أما “تجارة الأديان”، فهي أخطر من الأولى، لأنها تستغل الإيمان لتحريف الوعي، وتحويل الدين الذي هو في الأصل رسالة رحمة وعدل وتعايش إلى أداة للتحكم والتحريض والتكفير والتفجير. هؤلاء لا يحتاجون إلى فقه ولا إلى نور بصيرة، بل فقط إلى أتباع فارغين من الفكر، ممتلئين بالخوف أو الوهم، يسهل ملئ عقولهم بخطاب الكراهية وتكفير الآخر.
هكذا نرى أن كل من أراد أن يبني مشروعًا شريفًا نافعًا للناس عليه أن يكدّ ويعمل ويستثمر المال والجهد أما من أراد أن يتسلق على أكتاف الشعوب، فكل ما يحتاجه هو جمهور مفرغ من النقد، ومستعد للتصفيق بلا وعي أو مساءلة.
ولذلك، فإن أخطر أنواع الإفلاس ليس هو إفلاس المال بل هو إفلاس العقول وأخطر أنواع السرقات ليست تلك التي تستهدف البنوك، بل التي تسرق وعي الناس وتختطف آمالهم ومقدساتهم.
كل تجارة تحتاج رأس مال. إلا من يتاجر بدماء الشعوب وأديانها، فهؤلاء لا يحتاجون سوى إلى رؤوس فارغة، لتمرير مشروعهم الفارغ.