“قَجْعَنَة” الإدارة المغربية: من النجاحات الكروية إلى رهان المرفق العمومي

“قَجْعَنَة” الإدارة المغربية: من النجاحات الكروية إلى رهان المرفق العمومي
المصطفى الهيبة:إطار بقطاع الرياضة

أثبتت التجربة المغربية في كرة القدم خلال العقد الأخير أن الإصلاح ممكن حين تتوفر الرؤية الواضحة، الصرامة في التدبير، والقدرة على المحاسبة. فوزي لقجع، بصفته رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، نجح في تحويل مؤسسة عانت لسنوات من الهشاشة والارتجال إلى جهاز منظم وفاعل، قادر على إنتاج النتائج، سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات. هذا النموذج، الذي يمكن تلخيصه في مفهوم “القَجْعَنَة”، يصلح اليوم كخريطة طريق لإدارة المرفق العمومي.
*من الأرقام إلى الدروس:
خلال فترة إشرافه، تضاعف ميزانية الجامعة الملكية لكرة القدم من أقل من 40 مليار سنتيم في بداية العقد إلى أزيد من 100 مليار سنتيم، مع توجيه استثمارات ضخمة نحو البنية التحتية والتكوين.
المغرب بات يتوفر على 12 مركزاً جهوياً للتكوين، إضافة إلى مركب محمد السادس لكرة القدم، الذي يصنف من بين الأحدث قارياً.
النتيجة: تأهل متكرر للمنتخب المغربي إلى كأس العالم، وصول نصف نهائي مونديال قطر 2022، تتويج أندية مغربية بألقاب قارية، وارتفاع تصنيف المغرب في مؤشرات “الفيفا”.
هذه النجاحات لم تأت من فراغ، بل من أسلوب تدبيري يقوم على التخطيط الاستراتيجي، ربط التمويل بالنتائج، والجرأة في اتخاذ القرار.
*الإدارة المغربية بين التشخيص والحل:
في المقابل، التقارير الرسمية مثل تقارير المجلس الأعلى للحسابات تكشف باستمرار عن أعطاب في الإدارة العمومية:
-تعثر إنجاز المشاريع أو غياب التتبع.
-تضخم الموارد البشرية مقابل ضعف المردودية.
-بيروقراطية معقدة تستهلك وقت المواطن وتؤثر على ثقة المستثمر.
نسبياً، فإن المغرب يصنف في مراتب متوسطة في مؤشرات الحكامة الرشيدة وجاذبية مناخ الأعمال.
*كيف نُقَجْعِنُ الإدارة؟
1.الحوكمة المالية:
كما فرض لقجع انضباطاً مالياً في الأندية عبر إلزامها بتقارير محاسباتية واضحة، يمكن تعميم ذلك على الإدارات العمومية لضمان الشفافية.
2.المحاسبة الصارمة: العقود والأهداف يجب أن تكون محددة، والمسؤول الذي لا يحققها يفسح المجال لغيره.
3.الاستثمار في الرأسمال البشري:
التكوين المستمر، جلب الكفاءات الشابة، وربط الترقي بالمردودية، لا بالأقدمية فقط.
4.الرقمنة والجرأة الإصلاحية:
كما أحدثت الجامعة ثورة في البنية التحتية، يمكن للرقمنة أن تُحدث نقلة في علاقة المواطن بالإدارة، عبر تبسيط المساطر وتحويل الزمن الإداري إلى قيمة مضافة.
5.روح الفريق والمؤسسة:
نجاح الكرة لم يكن بفضل فرد، بل بفضل عمل جماعي مؤطر برؤية واضحة. الإدارة العمومية تحتاج الروح نفسها، بدل شخصنة المناصب.
خاتمة:
“القَجْعَنَة” ليست شعاراً، بل نموذجاً عملياً أثبت جدواه في قطاع معقد ومتشعب مثل كرة القدم. وإذا ما تم استلهام هذا النموذج في المرفق العمومي، فإن المغرب قادر على تحويل الإدارة من عبء بيروقراطي إلى رافعة للتنمية والثقة. إنها دعوة إلى الانتقال من التدبير التقليدي إلى إدارة النتائج، ومن تسيير الأشخاص إلى حكامة المؤسسات.
المراجع:
*تقارير المجلس الأعلى للحسابات (2018 – 2022).
*خطب جلالة الملك محمد السادس حول إصلاح الإدارة (خطاب 14 أكتوبر 2016 وخطاب 29 يوليوز 2017).
*بيانات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم (2014 – 2023).
*مقالات تحليلية في الصحافة الوطنية: جريدة “لوموند أف

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *