فيصل التفرقة ما بين التطبيع و الشرعية ..

إن مناقشة القرار المغربي الأخير حول ما تسميه أدبيات آهل الكهف بالتطبيع يقتضي ضرورة استحضار حجم التضحيات الجسام التي قدّمها الشعب المغربي من أجل حسم الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية ، بعد مسلسل مضن من الإستنزاف الذي دشنته عسكرتاريا قصر المرادية البومديانية بإيعاز من صقور اليسار القومي المتمركس طيلة زمن الحرب الباردة التي حركت السلاح هنا و هناك لإسقاط الأنظمة 《الديكتاتورية》 و إقامة أنظمة عسكرية ديموقراطية جدا !! لذلك طيلة أكثر من أربعة عقود ظل الشعب المغربي يقدم أرواح شهدائه بسخاء دفاعا عن قدسية الرمال ضد العدوان السافر الذي تشنه الجبهة الإنفصالية المسنودة إقليميا من لدن جنيرالات الفهم البيسماركي للجوار عبر قاعدة بيسمارك ” قوة الدولة رهين بإضعاف محيطها الإقليمي ” ، بدعم مكشوف من قِبل أنظمة القومية اليساراوية المنفلتة عن قيم السلم و السلام . و فعلا قدم المغرب تضحيات كبرى في خضم مُمناعة جليلة عقودا ضد الحرب بالوكالة التي تتزعمها شرذمة من المُعدمين مشروعيةً بحثا عن موطيء قدم بالمحيط الأطلسي الذي كان امتدادا لعراب المعسكر الليبرالي الغربي الذي كان يقض مضجع المعسكر الإشتراكي الشرقي الذي كان المحيط الأطلنتي يسيل لُعابه في خضّم الحرب الجيو – استراتيجية في قلب الحرب الباردة ، و هو ما جعل المغرب كقوة إقليمية مؤمنة بالتعددية السياسية و بالحرية الإقتصادية محطّ معاداة عسكرية ستالينية من لدن الجار الشرقي في محيط إفريقي و عربي موسوم ببؤس الحزب الواحد و رفض كل ملامح الإنفراج الديموقراطي . و نعتبر أن مواقف معظم الأنظمة العربية و الإفريقية إبان زمن غطرسة الأنظمة العسكرية لم تبلغ ما يناسب حجم انخراط المغرب في تكتل بلدان العالم الثالت المُكافح ضد قيود الإحتلال الإمبريالي ، و هو ما جعل تدبير ملف الصحراء المغربية في زمن كان رجالات الفهم العسكري الإكليريكي يشحدون الهمم لإسقاط أنظمة الرِّجعية على حد قولهم ، و لعل استحضار زعماء من طينة الزعيم الكوبي كيفارا بكوبا / أمريكا اللاثنية و ماو تسي تونغ بالصين الشعبية الحمراء و فرانكو الجنيرال شمال طنجة و بومديان البيسماركي شرقا و القذافي العقيد الفوضوي بمحاذاة جمال عبد الناصر شمال إفريقيا التي تأوي قادة عسكريين مسلحين بالدبابات بمنطق البعث القومي العروبي أو الفكر اليساروي المعادي لوحدة واستقرار الشعوب رغم الجهل بكل أبجديات الديموقراطية في أدغال جنوب الصحراء عموما و بمنطقة الساحل و الصحراء تحديدا ، و لعمري أن كل هذه المعطيات تشترط قراءة دقيقة لمواقف الدولة المغربية التي خبرت تقلبات الدول و بعين ثاقبة من أجل بناء استنتاجات موضوعية مٌنصفة بما لا يبخّس حقوق المغرب باسم النزْعات الإرتدادية للقومية العروبية التي وضع لبناتها ميشل عفلق و مريديه من مستبدي التسلط القومي الذي خرّب كل شيء باسم معاداة الأنظمة المؤمنة بالتعددية و من ضمنها الأنظمة الملكية كما كان يفهم ذلك عموم الإنقلابيين العدميين . و لا يمكن ، كمنطلق لبناء الرأي و الموقف ، تجاوز حجم الضريبة التي قدمها الشعب المغربي على حساب تهميش كل ربوع المغرب من أجل تحفيز حقوق جنوب الوطن الجريح بعد انعتاقه من الإستعمار الإسباني و بمقاربات مُواطنة تعتمد التمييز الإيجابي لصالح فلذات الجنوب . فالمغاربة قدموا حصة الأسد من ثروات وطنهم لخدمة سؤال التنمية بالصحراء علاوة على أرواح الشهداء من أجل منع استئصال الوطن باسم زرع كيان غير شرعي في الصحراء التي قاوم فيها المغاربة منذ فجر القرن العشرين بزعامة مقاومين وحدويين مثل أحمد الهيبة ماء العينين و شقيقه مٌربه ربّه و بفضل وفاء القبائل الصحراوية لسلاطين الدولة المغربية . و لا يمكن بحال من الأحوال التشبت بحُلم أهل الكهف عبر رفع العلم الفلسطيني و تزيين الصدور بالشاشيات الفلسطنية عبر نهج النعامة الذي يراوغ ما ألم بالعالم من تحولات كبرى و يعاند رياح التغيير من خلال هوس سيكولوجي بئيس . و أزعم أن ترديد شعارات السبعينيات كزمن نفسي ثابت أيديولوجيا من أجل ضحد موقف الدولة الذي نجح في انتزاع اعتراف أكبر قوة عسكرية دوليا مسنودة بامتلاكها للفيطو سياسيا يكشف ستاتيكية فجة لدى ذوي المرجعيات الأيديولوجية المنافية لروح التاريخ ، حيث تعالت أصوات الأعداء الذين كانوا دوما يعدّون الأسلحة لنحر المغرب من وريد جنوبه . و لا يمكن البثة استعراض عضلات المُمانعة باسم ” الشاشية ” على العنق و رفع شارة نصر لما يسمى تحريفا الشعب الصحراوي عبر سوء تأويل حق الشعوب في تقرير المصير كمبدإ ولد من رحم صراع المستعمرات ضد الكولونيالية قبل أن توثق الأمم المتحدة المبدأ في ميثاقها الأساسي بضغط من الدولة الإشتراكية وريثة ثورة البلاشفة التي ستموت بسُمها فيما بعد ؛ و لعل ما وقع للإتحاد السوفياتي الذي دافع عن مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير دون أن يعلم أن انفصال كل دول الإتحاد سيكون باسم هذا الحق ، و هو نفسه ما حصل مع جون بروز تيتو مؤسس الإتحاد اليوغوسلافي في السياق الدولي نفسه . و لا مندوحة أن الإيمان بالماركسية كمنهج علمي و كفلسفة في السلطة و السياسة و كأيديولوجيا تنشد العدالة الإجتماعية لا يتأتى بتوثيق زيجة إثبات النسب بين الماركسية و القومية العروبية التي وضعت كيانا لقيطا بصحراء المغرب الأمازيغية التي تشهد لها الطوبونيميا و التاريخ و الأرشيف و الذاكرة و يعاندها مثقفوا ” عرقلة ما يمكن عرقلته في أفق العرقلة الشاملة ” الذين يعيشون التاريخ بمنطق اللاتاريخ بالبقاء أسرى زمن الجمر و الرصاص دون أدنى الإيمان بالتطور الكبير الذي طرأ دوليا منذ فشل الكلاسنوت و البروسترويكا ثم ميلاد النظام العالمي الجديد بإسقاط حائط برلين و انفراج العلاقات الدولية و التحاق بلدان البلقان و القوقاز و أروبا الشرقية برحاب التعددية الديموقراطية . و رغم أن تأويل التجدّر سقط في مستنقع الإساءة للشعب المغربي من مدخل محاربة ” المخزن ” بمعارضته في أكثر الملفات حساسية بحثا عن المشروعية بما يوطّد منطق الإبتزاز المفضوح ضد مصالح المغرب التاريخية ، فإن تأكيد استعمال المفاهيم المغلوطة مثل الشعب الصحراوي يسيء أولا إلى نُبل الماركسية و ثانيا يحرِّف حقائق التاريخ و يبحث عن سحب البساط من تحت أقدام الشعب المغربي الذي قدم كل شيء من أجل استكمال استقلال كل أراضيه . و بهذا سقط اليسار المتمركس و طابور القوميين العروبيين في التقعيد ل ” انكسار ” جديد ، على غرار يمين الحُلم بالخلافة ، محاولَين معا انتظار حلول ” القومة ” لإعلان موت المخزن !! و ليس هكذا تورد الإبل في قضية شعب يراكم على درب الدمقرطة رغم أن الكولونيالية ما تزال بالثغور شمالا بسبتة و مليلية و جزيرة ليلى و الجزر الجعفرية بشكل مباشر على مرأى و مسمع من فرسان الزمن النفسي المعادين للتطبيع دون أن يسجلوا موقفا يذكر إزاء الكولونيالية الإسبانية المحتلة للأرض المغربية ، هذا ناهيك عن وضع كيان مجثت بتندوف كحصى مربكة بحذاء المغرب لفرملة مسيرة شعب طموح إلى التحرر و الإنعتاق .
يبدو لي أن استعمال مفاهم مغلوطة مثل التطبيع من لدن مثقفي البوليمك للتشكيك في المصالح العليا للمغرب لا يعدو أن يكون مجرد شطحات تحنّ إلى زمن الوهم العسكري الذي كان يغذيه الكومنترن و الكومنفورم على نقيض مشروع مارشال المُكتسح لأروبا الغربية و لليابان بمحاذاة شيوعية ماو تسي تونغ . لهذا نذكِّر ، و إن كانت الذكرى لا تنفع إلا المومنين ، أن اسرائيل كقوة عظمى بمنطقة الشرق الأوسط تربطها اتفاقية عسكرية مع تركيا التي تأوي أكبر قاعدة عسكرية اسرائيلية ، علما أن تركيا لا تتجزأ عن حلف الناطو الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية حليف إسرائيل الأول . فكيف يصْمت من يؤصِّل لأخونة علاقات المغرب مع القوى العظمى متنكرا للسمسرة التي تزعمها أردوغان على أشلاء الصحفي خشقجي في صفقة الليل قبل حلول موعد الخطاب الذي وعد به " الخليفة " العتماني قبل أن ينتهى الخطاب موبوءً تحت وطأة رشوة البيترودولار الوهابي و كأن كل مواقف زعيم النوْرسيين الإخوان تكتيك وطني ينتصر للأمة ، بيد أن المغرب لا يسمو إلى مستوى قداسة سماحة أردوغان ، متناسين إن المغرب شعب عظيم تعرض لمختلف أشكال المؤامرات من لدن " إخواننا العرب " بزعامة عبد الناصر و القذافي و بومديان و اللائحة طويلة على طول تاريخ الخيانات التي بلغت إطلاق النار لإسقاط النظام هنا بتمويل من مال القومية العروبية التي مثلها هؤلاء . و عليه من حق المغرب دون تردد و لا مواربة أن ينتصر لمنطق البراغماتية في الدفاع عن مصالحه دون أن يظلّ حبيس مفاهم زمن ولى في كل شيء اللهم في الحلم المخصي ليسار القومية المتمركسة المتواطئ مع أصولية القُومة و الثقية عبر زواج شغار لا يراعي مصداقية شرعية الحق المغربي و مشروعيته . و حقوقيا إذا كانت للدولة حساباتها الدقيقة في تقديس مصلحة المغرب مع أكبر قوة سياسية و اقتصادية أمميا ، فعلى مناهضي التطبيع الإحتفاظ بمواقفهم لأنفسهم و التعبير عنها بحرية شريطة تقييم مواقف الدولة بالقسطاس المستقيم من أجل حماية مصلحة الشعب المغربي و دون تجاهل ما تعرض له المغرب من ابتزاز و استنزاف طيلة أكثر من أربعة عقود ، دون أن يتجاهلوا أن سبتة و مليلة و الجزر الجعفرية ليلى أراضي مغربية محتلة قبل الإنتداب البريطاني الذي قعد لإعلان تأسيس إسرائيل . و لأن الدولة تصرف مواقف رسمية باسم الوطن بما يضمن صون المكتسبات و حماية الحقوق التاريخية من كل هدر تحت تداعيات العداء السادي للجار الشرقي الذي ما فتيء يناهض حق المغاربة في صحرائهم متنكرا لما قدمه المغاربة طيلة النصف الأول من القرن التاسع عشر من تضحيات خاصة في عهد السلطان عبد الرحمان بن هشام الذي انتصر للمغرب الأوسط الذي كان مجرد إيالة تابعة للباب العالي . و يبدو أن كل المعطيات تقدم القرائن أن المغرب ظل وفيا لوشائج العروبة و الأفرقة طيلة عقود دون أن ينال سوى الغذر و الخيانة بزرع كيان وهمي لقيط فوق رمال تندوف التي تأوي عصابات مسلحة تجند الأطفال ضحايا المسح الهوياتي بأسلحة بروباغوندا عقيدة العداء التي تجعل عداء المغرب وهْما يُغذِّي روح الإنتماء لدى مافيا مستنقع الإنفصال .
و بكل وضوح على كل من يُقايض حق المغرب في حسم ملف صحرائه و حماية مصالحه العليا باسم الوفاء لفلسطين أن يراجع أوراقه احتراما ، على أقل تقدير ، لأرواح شهدائنا الذين قدموا أرواحهم أولا فداء للوطن ضد نيران الكولونيالية ، و ثانيا إبان حرب الرمال مطلع الستنيات و بمعركة أمكالا ، علاوة على أن من حق الشعب المغرب أن يُنهي كابوسا طال أمده رغم صدق الحجة و وضوح وسائل الإتباث بما يُضحد دفوع أعداء التحالف المغربي الأمريكي وفق قاعدة رابح - رابح لصالح مغربية الصحراء و دون الإساءة لمشروعية حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته في إطار قواعد القانون الدولي الذي ترعاه مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة . و لا يمكن البثة تأويل توقيع الإتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية بأنه خيانة للقضية الفلسطينية تحت عنف قراءات سطحية للعلاقات الدولية و تأويلات رومانسية للدبلوماسية ، و كأن الدولة فصيل طلابي يرفع الشعارات و يصدح بإسقاط الإمبريالية في حلقيات الممانعة المنتصرة للقدس العربية الإسلامية و للخلافة على منوال عدالة عمر ابن الخطاب ضد السامية المؤسَّسة على شعارات أرض الميعاد !!
و حسبي ختاما أن العلاقات الدولية تتأسس على المصالح بمنطق برغماتي دقيق ، و هو ما يُلزم الدولة بإيجاد تسويات مناسبة بما يقوي شرعية التفاوض لصالح الصحراء المغربية ، دون أن يُمنع كل قومي عروبي أو يساري متمركس من حقهم في التعبير عن مواقفهم من القضية الفلسطنية التي تستحق الدعم شريطة ألا يكون ذلك بالمزايدة على حق المغرب في صون مصالحه العليا خاصة على مستوى إحدى ثوابت الأمة . و نؤكد نهايةً أن اليسار المتمركس وفق وهم الفردوس القومي البروليتاري و الأصوليات الدينية المؤسَّسة على تأويلات رومانسية للتاريخ و القومية الإثنية التي تريد إخضاع المغرب عُنفا للتنويم المغناطيسي العروبي دون أدنى اعتراف بخصوصيات الهوية على أساس الأرض بما يضمن حجّية تمغرابيت ؛ مطالبين جميعا بتقديم المراجعات وفق قواعد الإيمان بالوطن أولا و أخيرا و دون المساس بمشاعر الشعب المغربي و دون عرقلة مصالحه العليا ، و نعتبر هذه القواعد المحك الحقيقي لمطارحة كل الأسئلة المشروعة بمشروعية الوطن و ثوابته ، و ما دون هذا لن يكون سوى نزْعات ايديولوجية رومانسية مراهقة غير مؤسسة سوى على جرف هار من المغالطات و الديماوغوجيات باسم الممانعة و الصمود .