فضيحة المجلس الوطني للصحافة: تسجيل يكشف تهديد حرية التعبير واستقلال القضاء
أثار التسجيل المنسوب لاجتماع لجنة التأديب بالمجلس الوطني للصحافة، والذي بثه الصحافي حميد المهداوي على قناته الرسمية، جدلاً واسعاً وغير مسبوق في الأوساط الإعلامية والقانونية. ما كشفه التسجيل لا يقتصر على لغة نابية أو نقاشات “خارجة عن الضوابط المهنية”، بل يمتد إلى قلب العلاقة بين السلطة، الرقابة المهنية، واستقلال القضاء، لتظهر هشاشة المؤسسات التي يفترض أن تكون صمام أمان للصحافة والمجتمع على حد سواء.
ما سمعه الرأي العام في هذا التسجيل كان صادما. نقاشات حول “اعتماد أقصى العقوبات”، تشمل سحب بطاقة الصحافة لمدة سنة والحرمان من الدعم العمومي لثلاث سنوات، إضافة إلى الحديث عن احتمال مثول المهداوي أمام القضاء الجنائي، يشي بمحاولة واضحة لاستباق العدالة. هذا ليس مجرد تجاوز مهني، بل هو استغلال للسلطة يمس الحقوق الأساسية للصحافي ويهدد مفاهيم العدالة والقانون.
تسجيل مثل هذا يكشف هشاشة الضوابط الداخلية للمجلس الوطني للصحافة، وغياب آليات حقيقية لمساءلة الأعضاء عند تجاوزهم صلاحياتهم. فالأطر الرقابية، التي يُفترض بها حماية المهنة والمجتمع من التجاوزات، تحولت في هذه الحالة إلى أداة ضغط على الصحافي، وكأن المبدأ الأساسي للرقابة المهنية قد اختفى لصالح تصفية حسابات شخصية وممارسات غير مهنية.
الجزء الأخطر في التسجيل هو الحديث عن انعكاسات هذه القرارات على الوضع القانوني للمعني بالأمر قبل صدور أي حكم قضائي. هذه المؤشرات تمس استقلال القضاء بشكل مباشر، وتجعل من هيئة مهنية – يفترض بها ضبط الأخلاقيات المهنية – لاعبًا في ما يجب أن يكون نطاقا قضائيا محايدا ومستقلا. هذه الممارسة، لو استسلم المجتمع لها، تشكل سابقة خطيرة تهدد ثقة المواطنين في المؤسسات القضائية، وتخلق أرضية للانتهاكات القانونية والسياسية.
القضية تتجاوز الصحافي الفرد، فهي انعكاس لمستوى الحرية الإعلامية والمساءلة في بلدنا. حرية الصحافة ليست مجرد حق للصحافيين، بل صمام أمان للمجتمع بأسره. أي تهديد للصحافي، أو محاولة للضغط عليه باسم الرقابة المهنية، هو تهديد للحق في المعرفة، ولحق المواطنين في الحصول على المعلومات، ولصحة الديمقراطية نفسها.
التضامن مع حميد المهداوي ليس مجرد موقف إنساني أو فردي، بل هو موقف مبدئي يضع خطوطا حمراء أمام كل من تسول له نفسه تجاوز حدود السلطة باسم المهنية أو الإجراءات الإدارية. على الدولة والمؤسسات الإعلامية والقانونية أن تتخذ إجراءات حاسمة لإعادة الثقة، وتحديد آليات واضحة لحماية الصحافيين من أي استغلال للسلطة، ومن أي تجاوز للحقوق القانونية.
ملف حميد المهداوي يجب أن يكون لحظة تأمل جماعي. إنه اختبار حقيقي لمدى التزامنا بالمبادئ الأساسية: استقلال القضاء، حرية الصحافة، وشفافية المؤسسات. الفشل في حماية هذه المبادئ لا يعني فقط إضعاف الصحافي، بل يضعف المجتمع ككل. المستقبل يتطلب مراجعة عميقة للآليات الرقابية، ضمان محاسبة أي تجاوز، وحماية حرية التعبير كمكوّن أساسي للعدالة والمساءلة.
في هذا السياق، كل من يرفع صوته اليوم دفاعا عن الصحافي هو في الحقيقة يدافع عن المجتمع بأسره، وعن مؤسسة القانون، وعن حق المواطنين في الحقيقة والمعلومة.

