فاجعة الطفولة: حين تصبح البالوعات أفخاخًا للموت في المدن المغربية

فاجعة الطفولة: حين تصبح البالوعات أفخاخًا للموت في المدن المغربية
بقلم: أزلو محمد

 

وسط حزن يجلل الأفق، ودموع أحرقت قلوب عائلات بأكملها، تكررت الحوادث المأساوية في شوارع المدن المغربية، حيث تحولت البالوعات المفتوحة إلى أفخاخ تقتنص أرواح الأطفال بلا رحمة. الحادثة الأخيرة التي راحت ضحيتها الطفلة “يسرى” في مدينة بركان، لم تكن مجرد مأساة عابرة، بل صفعة باردة على وجه الضمير المجتمعي والمؤسساتي، تدعونا جميعًا إلى مواجهة سؤال مؤلم: إلى متى سيظل الإهمال قاتلاً متربصًا بأطفالنا؟

يسرى، تلك الطفلة التي كانت تحلم باللعب والقفز على برك المطر كأي طفلة في عمرها، لم تكن تعلم أن قدميها الصغيرتين ستنزلقان إلى فوهة الموت، في بالوعة مفتوحة لا يُعرف إن كان الإهمال أو سرقة الغطاء وراءها. مشهد مأساوي لا يُمحى من ذاكرة من شاهده، حيث جرفتها السيول العنيفة، لتتحول مياه المطر التي طالما كانت رمزًا للخير إلى حاضنة للموت.

هذه الحادثة المؤلمة ليست الأولى من نوعها، بل سبقها حادث مشابه في إقليم الفقيه بن صالح، حيث لقي طفل آخر مصرعه غرقًا في إحدى “الصفايات”. كأنما صارت البنية التحتية المهترئة، والبالوعات المكشوفة، قنابل موقوتة تنفجر في وجه البراءة، تاركة خلفها تساؤلات مريرة عن غياب المسؤولية، وأين تكمن أعناق التقصير.

إن ظاهرة سرقة أغطية البالوعات ليست مجرد فعل إجرامي عابر، بل هي كارثة متواصلة تفتح الطريق أمام موت مأساوي ينتظر ضحاياه في كل لحظة. فما الذي يدفع بعض الأفراد لسرقة أغطية هذه البالوعات، رغم علمهم بأنها تترك الشوارع مكشوفة على مصير مجهول؟ أهو الفقر؟ أم غياب الوعي والمسؤولية؟ أم ضعف الرقابة والرادع القانوني؟ هذه الأسئلة باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، خاصة مع تزايد عدد الحوادث التي تدفع فيها الأرواح ثمنًا لجرائم لا تُغتفر.

في مواجهة هذه الكوارث الإنسانية، لم تقف المنظمات الحقوقية والمدنية مكتوفة الأيدي. بل سارعت إلى إطلاق صرخات استغاثة، مطالبة الجهات المعنية بتحمل مسؤولياتها تجاه حياة المواطنين، وخصوصًا الأطفال. منظمة “ما تقيش ولدي” كانت من بين أبرز الأصوات التي دقت ناقوس الخطر، مؤكدة في بيان لها ضرورة التحرك العاجل وبكل حسم.

المنظمة شددت على أهمية تشديد المراقبة على البنية التحتية، وفرض عقوبات صارمة على كل من يثبت تورطه في سرقة أغطية البالوعات أو الإهمال في صيانتها. كما دعت إلى اتخاذ تدابير وقائية عاجلة، مثل وضع إشارات تحذيرية حول البالوعات المفتوحة، وتفعيل خط ساخن للإبلاغ عن أي مواقع خطر قبل وقوع الكارثة.

هذه الحوادث المؤلمة تطرح أيضًا جانبًا مجتمعيًا مهمًا، وهو دور الأسر والمدارس في توعية الأطفال بمخاطر الاقتراب من البالوعات وأماكن تجمع المياه خلال فترات الأمطار. فالمسؤولية لا تقع فقط على عاتق الجهات الرسمية، بل هي مسؤولية مشتركة تتطلب تكاتف المجتمع بأسره.

لكن، كيف يمكن أن نحمل المجتمع مسؤولية في ظل غياب أبسط معايير السلامة في الشوارع؟ كيف يُطلب من الأطفال الحذر في بيئة غير آمنة أصلًا؟ هنا يكمن التحدي الحقيقي: ضرورة بناء منظومة متكاملة لا تكتفي برد الفعل بعد الكوارث، بل تقوم على الوقاية والتخطيط المسبق.

إن الحديث عن البالوعات المكشوفة وسرقة أغطيتها هو جزء من ملف أعمق وأشمل، وهو وضع البنية التحتية في المدن المغربية. فالبنية التحتية ليست مجرد شوارع وأرصفة، بل هي مرآة تعكس مدى تقدم أي بلد، ومدى احترامه لكرامة وسلامة مواطنيه. كيف يمكن أن نتحدث عن تنمية مستدامة في ظل بنية تحتية مهترئة تُهدد حياة الناس بدلًا من أن تخدمهم؟

يبقى السؤال الأهم: إلى متى ستظل أرواح الأبرياء تدفع ثمن الإهمال؟ إلى متى ستظل الحوادث تتكرر دون حلول جذرية؟ إلى متى سيبقى الوجع ينهش قلوب عائلات فقدت فلذات أكبادها بسبب أخطاء يمكن تجنبها؟

إننا أمام مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود من الجميع: مواطنين، وهيئات مدنية، وسلطات محلية، وحكومة. فالأرواح التي تُزهق بسبب الإهمال لا يمكن تعويضها، ولكن يمكننا أن نمنع إزهاق المزيد منها، إذا ما تحلينا جميعًا بالمسؤولية، وأدركنا أن سلامة الإنسان هي أسمى أهداف أي مجتمع حضاري.

مأساة الطفلة يسرى ومن سبقها من ضحايا البالوعات المكشوفة ليست مجرد أرقام تُضاف إلى سجلات الموت، بل هي جرس إنذار يذكّرنا، كل يوم، بأن حياة الإنسان أغلى من أن تُهدر بسبب غياب غطاء بالوعة. فهل سنستيقظ قبل أن يُسجل التاريخ مآسي جديدة؟ أم أننا سنظل نعيش في دائرة الإهمال التي لا تنتهي؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *