“غياب أم تغييب؟ الأحزاب الوطنية خارج قمة أكرا… من يملأ الكرسي الفارغ؟”

عندما يجتمع السياسيون في قاعات المؤتمرات الكبرى، لا يتبادلون التحايا فقط، بل يوزّعون النفوذ، ويصوغون التحالفات، ويؤسسون لرواياتهم أمام الإعلام والرأي العام الدولي.
قمة أكرا كانت واحدة من هذه اللحظات التي لا ينبغي للمغرب أن يغيب عنها، خاصة وهي تجمع أطرافاً إفريقية ودولية في سياق سياسي حساس.
لكن ما أثار الانتباه هو غياب الأحزاب الوطنية المغربية عن هذا الحدث، في الوقت الذي جلس فيه وفد جبهة البوليساريو بكل راحة على مقاعد الحضور.
هنا يطل السؤال الكبير: هل هو غياب أم تغييب؟
في السياسة، الغياب قد يكون صدفة أو نتيجة ظروف، أما التغييب فهو فعل إرادي يعبّر عن رؤية أو قرار، وفي الحالتين النتيجة واحدة: الكرسي الفارغ يصبح فرصة لخصمك كي يملأه بخطابه ورمزيته.
كيف يمكن أن نتصور أن معركة الدفاع عن الوحدة الترابية – وهي معركة وجودية – تُترك للدبلوماسية الرسمية وحدها، بينما تنسحب القوى الحزبية من خطوط التماس الخارجية؟ أليست هذه القوى هي المعبّر عن نبض الشارع السياسي، والمفترض أن تكون واجهته في مواجهة خصوم الوطن؟
ثم ماذا عن فكرة الدبلوماسية الحزبية التي يكثر الحديث عنها في الخطب والوثائق الرسمية للأحزاب؟ هل هي مجرد شعارات للاستهلاك الداخلي، أم أداة حقيقية يمكن أن تتحرك في الفضاء الإفريقي لتقابل الخصوم خطاباً بخطاب، ورواية برواية؟
لا يمكن إنكار أن القارة الإفريقية اليوم مسرح تنافس شرس بين القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين. الجزائر، على سبيل المثال، تتحرك بآلة دبلوماسية نشطة، وتستثمر كل محفل قاري لتكريس سرديتها حول نزاع الصحراء. وفي المقابل، نرى حضوراً مغربياً محتشماً أو غائباً تماماً على مستوى التمثيل الحزبي، وكأن الأحزاب الوطنية أصبحت أسيرة أجندتها الداخلية، تتصارع على مواقع السلطة أكثر مما تتنافس على مواقع التأثير الخارجي.
هذا الوضع يفرض أسئلة مزعجة ولكن ضرورية:
هل يتم إشراك الأحزاب في التخطيط الاستراتيجي للملف الترابي، أم أنها تبقى على الهامش؟
هل هناك إرادة سياسية حقيقية لتمكينها من أداء دورها في الساحة الدولية؟
أم أن تغييبها جزء من تصور يعتبر أن الملف الخارجي شأن حصري للدولة؟
إن معركة الصحراء ليست فقط معركة خرائط وحدود، بل معركة سرديات ورموز وصور، وفي زمن الإعلام الرقمي يمكن لصورة واحدة لوفد البوليساريو وهو يجلس على منصة دولية أن تعطي انطباعاً قوياً لدى الرأي العام الإفريقي، وعندما يغيب الطرف المغربي أو يكتفي بحضور بروتوكولي باهت، فإن الخسارة ليست تقنية بل رمزية.
لقد آن الأوان لمراجعة هذا النمط من التعامل، وإعادة تعريف وظيفة الأحزاب في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى.
فالدبلوماسية الموازية ليست ترفاً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية، والحضور الفعّال في القمم والمؤتمرات القارية يجب أن يصبح جزءاً من واجب وطني لا مجرد اختيار سياسي.
من يترك الكرسي فارغاً، عليه أن يقبل بأن خصمه سيحتله.