غلاء الأسعار في المغرب: بين تضارب المصالح وغياب العدالة الاقتصادية

غلاء الأسعار في المغرب: بين تضارب المصالح وغياب العدالة الاقتصادية
بقلم: أزلو محمد

لا تزال قضية غلاء الأسعار في المملكة المغربية تُلقي بثقلها على كاهل المواطن البسيط، الذي يُصارع يومياً من أجل توفير لقمة عيش كريمة وسط موجة من الارتفاعات المتتالية لأسعار المواد الأساسية. ورغم التراجع الملحوظ في معدلات التضخم وأسعار النفط على المستوى العالمي، إلا أن هذا التراجع لم ينعكس إيجابياً على الأسواق المحلية، مما يثير تساؤلات عميقة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التناقض.

في بيانها الأخير، عبّرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عن قلقها من استمرار هذا الوضع الذي وصفته بـ”غير الطبيعي”. وأرجعت الحزب ذلك إلى تفشي الاحتكار، والتواطؤ، والجشع في عدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية. كما أكّد أن غياب المنافسة الشريفة بات السمة البارزة التي تُميز الاقتصاد الوطني، ما أدى إلى انتهاك مبادئ العدالة الاقتصادية، وعمّق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.

لا يمكن الحديث عن غلاء الأسعار دون التطرق إلى مسألة تضارب المصالح، التي اعتبرتها الأمانة العامة للحزب إحدى أسوأ مظاهر الأزمة الراهنة. وأبرزت في بيانها مثالاً صارخاً على ذلك، عندما أشارت إلى فوز شركة يملكها رئيس الحكومة الحالي ضمن تحالف شركات بعقد ضخم لتحلية مياه البحر في جهة الدار البيضاء-سطات. وما زاد الطين بلة، بحسب البيان، هو تقديم طلب للحصول على الدعم العمومي لهذا المشروع، في خطوة وصفت بأنها “ضد القانون”، مما أثار تساؤلات مشروعة حول مدى التزام الحكومة بمعايير النزاهة والشفافية.

إن تضارب المصالح في هذا السياق لا يعكس فقط أزمة سياسية، بل يتجلى أيضاً كأزمة أخلاقية تهدد بتقويض ثقة المواطن في المؤسسات. فكيف يمكن للمواطن أن يثق في حكومة تبدو وكأنها تُفضل مصالحها الخاصة على المصلحة العامة؟ وكيف يمكن لهذه الحكومة أن تقنع الشعب بأنها تعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية إذا كانت قراراتها تدعم الفساد بدل مكافحته؟

أثار البيان الصادر عن حزب العدالة والتنمية جدلاً واسعاً عندما اتهم الحكومة الحالية بتبني سياسات عمومية تدعم الفساد وتوفر له الحماية. ولفت البيان إلى أن الحكومة، بعد تنصيبها مباشرة، قامت بسحب مشروع القانون الجنائي الذي كان يتضمن مقتضيات تهدف إلى محاربة الإثراء غير المشروع. هذه الخطوة، وفقاً للحزب، تُعد رسالة واضحة بأن الحكومة لا تضع مكافحة الفساد ضمن أولوياتها، بل تسعى إلى حماية مصالح الفئة الضيقة التي تستفيد من الوضع الراهن.

إن الإثراء غير المشروع، وهو أحد أهم مظاهر الفساد، ليس مجرد قضية قانونية، بل هو قضية اجتماعية تُفاقم من معاناة المواطن العادي. فحينما تُسحب قوانين تهدف إلى محاربة هذا النوع من الفساد، يُفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من التجاوزات، ويُكرّس الشعور بعدم العدالة في المجتمع.

وسط كل هذه المعطيات، يظل المواطن المغربي الحلقة الأضعف في هذه المعادلة المعقدة. فهو الذي يدفع ثمن غلاء الأسعار من جيبه المتواضع، وهو الذي يعاني من غياب المنافسة الشريفة التي كان من المفترض أن تُخفف عنه كلفة المعيشة. كما أنه يُواجه سياسات حكومية تبدو بعيدة كل البعد عن تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

لا يخفى على أحد أن استمرار غلاء الأسعار في ظل تراجع معدلات التضخم وأسعار النفط عالمياً يُمثل مفارقة مؤلمة. فكيف يمكن تفسير هذا الوضع إلا من خلال الإشارة إلى سياسات تُفضل الاحتكار وتدعم الفساد؟ وكيف يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية حقيقية إذا كانت الفئات الأكثر حاجة تُترك لمصيرها دون دعم أو حماية؟

في ظل هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية للحكومة، والعمل على تعزيز الشفافية والنزاهة في إدارة الشأن العام. فلا يمكن تحقيق أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي دون القضاء على الفساد، وضمان تكافؤ الفرص، وتعزيز المنافسة الشريفة في جميع القطاعات.

إن المواطن المغربي يستحق أن يعيش بكرامة، بعيداً عن شبح الغلاء والفساد. وهذا لن يتحقق إلا من خلال سياسات حكومية تُعطي الأولوية للمصلحة العامة، وتعمل بجدية على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

ختاماً، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستأخذ الحكومة هذه الانتقادات على محمل الجد، وتشرع في إصلاحات حقيقية تعيد ثقة المواطن في المؤسسات؟ أم أن الوضع سيظل كما هو عليه؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *