عيد المسيرة هذه السنة.. استثناء بطعم التجديد الوطني
خمسة عقود مرت على المسيرة الخضراء، ذلك الحدث الاستثنائي الذي لم يكن مجرد صفحة في تاريخ المغرب، بل لحظة ميلاد جديدة للأمة. خمسون سنة على صرخة الملك الحسن الثاني رحمه الله التي حرّكت في المغاربة إيمانهم بالوطن ووحدتهم وقدرتهم على صنع التاريخ بصدور عارية وإرادة لا تلين.
اليوم، ونحن نحيي الذكرى الخمسين، لا نحتفل فقط باسترجاع الأرض، بل باسترجاع المعنى. فالمسيرة الخضراء لم تكن حربا بالسلاح، بل مسيرة بالعقيدة، بالعلم والمصحف، بالإيمان بأن الأرض لا تُسترجع بالقوة وحدها، بل بالإجماع الشعبي وبإرادة وطنية جعلت العالم يقف مندهشا أمام هذا المشهد الحضاري النادر في القرن العشرين.
لقد كانت المسيرة درسا في الوطنية الهادئة، في الدبلوماسية الذكية، وفي كيف يمكن لشعب أن ينتصر دون أن يُطلق رصاصة واحدة. وها نحن اليوم، بعد نصف قرن، نجني ثمار تلك الروح في صحراء مغربية تنبض بالحياة، تستقطب الاستثمارات، وتُشيَّد فيها الطرق والموانئ والجامعات.
وهذا العام، تحل الذكرى الخمسون في سياق استثنائي يختلف عن كل ما سبقها. فالمغرب يعيش مرحلة تحوّل عميق داخلياً وخارجياً، تميزت بإطلاق نموذج تنموي جديد، وبإصلاحات مؤسساتية تعيد رسم علاقة الدولة بالمواطن، وبإشعاع دبلوماسي غير مسبوق رسخ الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء. كما أن هذه الذكرى تأتي متزامنة مع دينامية تنموية واسعة تعرفها الأقاليم الجنوبية، حيث صارت مشاريع الطاقات المتجددة والموانئ الكبرى والربط الطرقي والجامعي عنوانا لمسيرة جديدة عنوانها الإنجاز بعد التحرير.
إن عيد المسيرة هذه السنة استثناء لأنه لا يُستحضر فقط كرمز للوفاء للتاريخ، بل كمنارة لمستقبل يبنى على نفس القيم التي جمعت المغاربة سنة 1975: الإيمان، التضحية، والاتحاد حول الوطن والملك. ففي كل شبر من الصحراء اليوم ينبض صدى ذلك النداء التاريخي: إن الوطن غفور رحيم، لكن معناه صار اليوم أوسع فالوطن لا يغفر فقط لمن عاد، بل يفتح ذراعيه لكل من يبني، ولكل من يجعل من التنمية مسيرة يومية لا تتوقف.
غير أن الذكرى الخمسين ليست فقط لحظة احتفاء، بل أيضا لحظة تأمل ونقد ذاتي. فالمسيرة التي أطلقت شرارة الوحدة الترابية، تفرض اليوم مسيرة جديدة نحو العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة.

