عيد الأضحى.. والقطيع حاضر في موازين!

العنوان الصادم الذي تصدّر بعض منشورات السوشيال ميديا هذا العام: “لن يتم إلغاء مهرجان موازين لهذه السنة لأن القطيع متوفر بكثرة وفي حالة جيدة”، لا يعبّر فقط عن حس ساخر مرير، بل يلخّص مأساة شعب بأكمله غارق في المفارقات، مشدود بين تضخم الأسعار واحتفالات البذخ، بين خراف العيد و”خرف” السياسة الثقافية.
في بلد ترتفع فيه أسعار الأضاحي إلى مستويات تصيب القلب قبل الجيب، ويضطر فيه المواطن للاقتطاع من ضرورياته من أجل “فرحة العيد”، لا يزال مهرجان موازين قائماً كمنصة لتبييض الأموال الرمزية، وتلميع الواجهة، وتسكين الأعصاب بالموسيقى والنجوم المستورَدين. فبينما كانت أصوات الاستغاثة تتصاعد من جيوب المغاربة بسبب غلاء الأكباش، خرجت تصريحات رسمية تؤكد أن “القطيع في حالة جيدة”! السؤال هنا: أي قطيع؟ قطيع الماشية… أم قطيع الصامتين؟
المفارقة أن الدولة لا تتوانى عن تسويق “نجاحها” في توفير الأضاحي، في الوقت الذي تقف فيه عاجزة أمام توفير الكرامة. نعم، الكرامة. تلك الكلمة التي تبدو غريبة عن قواميس السياسات العمومية حين يتعلق الأمر بالصحة، التعليم، الشغل، والعدالة الاجتماعية، لكنها تحضر بقوة في بلاغات “التنظيم الجيد” لموازين!
كيف يمكن تفسير هذا البذخ في الإنفاق على مهرجان يستضيف فنانين بأجور فلكية، بينما تنزف مستشفياتنا، وتئن مدارسنا، ويُقصى الشباب من مشهد التنمية؟ كيف يمكن إقناع شاب عاطل عن العمل بأن المهرجان يخدم “الصورة الثقافية للمغرب” بينما لا يملك ثمن تذكرة حافلة توصله لمقابلة عمل وهمية؟ كيف نُبرّر لشعب مسحوق أن صوت المغني الفلاني أهم من صوته في صناديق الاقتراع التي لا يُستشار فيها إلا نادراً؟
مهرجان موازين ليس مجرد حفلات موسيقية، بل هو رمزية سياسية تُجسّد علاقة الدولة بالمواطن: ألهِهِ بالغناء، صخّر له فرجة مؤقتة، ولا تفتح معه نقاشاً في الخيارات الكبرى. لذلك حين يخرج هذا المواطن المغبون بهذه العبارة الساخرة: “القطيع موجود، موازين مستمرة”، فهو لا يهجو الأغنام، بل يهجو حاله، يهجو استغباءه، يهجو كل من يُصرّ على تحويل الشعب إلى كائن استهلاكي بذاكرة قصيرة.
إننا لا نرفض الفن، ولا الموسيقى، ولا الفرح. بل نرفض أن يُختزل الفن في البهرجة، والموسيقى في البزنس، والفرح في التنويم. نرفض أن يتم صرف المليارات في مهرجان فني في حين أن الطفل في قرية نائية ما زال يقطع الكيلومترات ليصل إلى قسم بدون معلم، ومريض السكري يموت لأن المركز الصحي لا يحتوي على ثلاجة.
في النهاية، لن نُطالب بإلغاء موازين — فذلك أشبه بمن يطالب بإلغاء السيرك بينما الأسد لا يزال جائعاً. ما نطالب به هو التوازن، هو العدالة الثقافية، هو أن نكفّ عن اعتبار الشعب “قطيعاً” يحتاج إلى موسيقى أكثر من حاجته إلى عدالة.
كل عام وأنتم بخير… والعيد لمن استطاع إليه سبيلاً، وموازين لمن استطاع إليه تحمّلاً.